في خضم الأحداث الصاخبة في الوطن العربي و انقسام الساحة لعدة آراء حول ما
يحصل , وجدت نفسي أزور أحد أهم الكتب في تشخيص الواقع العربي و تحديد مكامن الخلل
التي تمنع التغيير, و تجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب يعتبر قديماَ نسبيا حيث
تم اصداره عام 1984 , لكني أرى أن بعضا من التشخيصات التي يقدمها لاتزال مشاكلا
حية في مجتمعاتنا الحالية , كما أني لا أزال أؤمن بالحل الذي يقترحه , لذلك قررت
نشر ملخصا لهذا الكتاب الذي يقدم دراسة تحليلية نقدية للمجتمعات العربية.
يبدأ الكتاب بمذكرات تطورية لفكر الكاتب , إذ يتحدث
الكاتب عن حياته و أهم الأحداث التي أثرت على فكره , و يحدد حدث حرب ( السته أيام) عام 1967 كعلامة فارقة في حياته , حيث أصبح بعدها أقل اجتماعيةً, و تغيرت نظرته للواقع الذي يعيشه. كذلك
أوضح الكاتب بأنه متأثر بفكر كارل ماركس , فبعد مروره بتجربة (الصدمة) أعاد قراءة
كتبه و خلص لنتيجة مفادها : أن الثقافة المسيطرة تخضع الفرد لقيمها و بالتالي يعجز
الفرد عن الرؤية بعيدا عن الإطار الذي حددته له الثقافة المسيطرة مسبقا , لذلك قرر
أن يتبع آلية " التحرير الذاتي" لكي يتمكن من فهم واقعه بعيدا عن الصور
النمطية التي تعيد إنتاج نفسها ضمن الثقافة المسيطرة. و جاءت صدمة ( أيلول الأسود)
لتدفعه نحو البدء بهذه الدراسة التي تستند على سؤال رئيسي و هو : ما هو سبب ضعف
المجتمع العربي؟
للإجابة عن هذا السؤال طرح الكاتب الفرضيات التالية :
1- ذات العقل
تتكون تدريجيا من خلال عملية التفاعل الاجتماعي.
2- أن الذات
منظمة تنظيما تصاعديا.
3- أن الإنسان
عبارة عن حصيلة لعوامل وراثية.
4- تصرفات
ومواقف الوالدان يؤثران بطريقة أساسية في طريقة نمو الشخصية.
5- أن للتربية
الأسرية دور حاسم في تعيين نوعية الشخصية .
6- أن موضع
الطبقة الاجتماعية تؤثر على الشخصية.
و علية يتطرق الكاتب للأساس الذي تبنى عليه مجتمعاتنا العربية ألا و هي (
الأسرة), و يخضعها للتحليل النقدي, فيخلص إلى عدة استنتاجات منها : أن أغلب الأسر
المشكلة لمجتمعاتنا تصنف على أنها (أسر ممتدة) , و ينتقد أنواع العلاقات التي
تفرزها هذه الأسر خصوصا العلاقة الهرمية/السلطوية ما بين الذكر الأكبر سننا و بقية
أفراد الأسرة , كما ينتقد طريقة اختيار شريك الحياة في هذا النوع من الأسر. كذلك
يبدي الكاتب ملاحظة مهمة بشأن انعكاس نوع التربية التي تتعرض لها الفتاة في هذا
النوع من الأسر على شخصيها , فبعكس التصور السائد عن شخصية المرأة في المجتمعات
العربية , يرى الكاتب أن الذكر يعد محور اهتمام الأسرة و بالتالي يكون أكثر تعرضا
للتعامل السلطوي, مما يعكس قصورا في شخصيته , و في المقابل فإن اعتبار الأنثى عضو
ثانوي يمنحها مجال أكبر لتطوير شخصيتها بشكل مستقل! و بشكل عام يؤكد شرابي على أن
الطفل الذي يتعرض لأسلوب السيطرة يكتسب عادة الخجل لأنه يعلمه أنه عاجز عن تحقيق
الاحترام الذاتي لذلك لابد من التصدي له.
أما بالنسبة للتعليم فيرى بأنه يتميز في الوطن العربي بصفتين : الأولى :
أنه لا يتعامل بمنطق الإقناع و المكافأة . و الثانية : أنه يزيد من أهمية العقاب
الجسدي. فالطفل العربي نادرا ما يناقش حول قضية معينة , و أغلب الأوقات يستخف
برأيه! كما أن المعلم يستخدم معه العقاب الجسدي كوسيلة ضبط , بل أنه يستخدم أكثر
أنواع العقاب الجسدي مذلة ألا و هي (الصفعة) مما له آثار مدمرة على تطور شخصية
الطفل.
و يتوجه الكاتب للأسر المشكلة للطبقة
البرجوازية الإقطاعية في الوطن العربي و يخضعها للفحص فيخلص لثلاث صفات تميز هذه
الطلقة و هي : الإتكالية , العجز , و التهرب! و يوضح أن هنالك ثلاث مواقف نموذجية
تنتشر في هذه الطبقة توضح الصفات آنفة الذكر و هي : -موقف المتنبئ بالكارثة , و
موقف التثبيت بعد وقوع الأمر , و تضخيم المصاعب و العقبات التي تعترض سير أي عمل
أو ممارسة!! و هذه المواقف تتجلى بوضوح في الحياة السياسة لهذه الطبقة و التي
تتميز بالسلبية, لذلك لا تشارك سياسيا , و لا ترى بأن بمقدورها التأثير على مجريات
الأحداث.
أيضا أسهم الكاتب في نقد (المثقف العربي)
كونه أصبح يعكس مكانة يسعى الفرد العربي لنيلها فقط لا غير! و يؤكد على أن
هنالك ضعف في صفوف المثقفين العرب يعكسه تدني مستوى الانضباط العلمي و المنهجي , و
العجز عن التمكن الكامل للغات الأجنبية! و يرى أن المثقف العربي يشعر تجاه نظيره
الغربي بمشاعر تتراوح ما بين : إعجاب الحاسد و الشعور بالعجز , و هو الأمر الذي
ينعكس في تبجحه الدائم "بأمجاد" المفكرين و العلماء العرب القدماء.
و بناء على ما تقدم يؤكد الكاتب على أن
السبب الرئيسي الذي يمنع الشعوب العربية من التغيير و التقدم هو :
أن التغيير لابد أن تسبقه معرفة صادقة للذات , و ذلك بدوره يتطلب نقد الذات , لكن
الإنسان العربي للأسف دائم التبرير لذاته و يستخدم أسلوب التمويه حتى مع نفسه!
أيضا يؤكد بأن استيراد نموذج غربي ناجح لن يحل لنا الإشكالية لأن العلة تكمن في
الذات ! فلا يمكن علاجها بمجرد نسخ إنما لابد من :
1- رفض
التمويه 2- استعادة الثقة بالنفس 3- امتلاك الإدراك النقدي 4- تشكيل المعرفة
الذاتية !
في النهاية يؤكد الكاتب على أنه لابد من
إعادة النظر في العلاقات المتعلقة بالطفل , والمرأة , و ما بين العرب بشكل عام , و
التخلص من عادات المجتمع " البطركي" و "النيوبطركي" لكي نتمكن
من اتخاذ أول خطوة في اتجاه التغيير. كما يرى أن هنالك مهام عديدة ترتبط بفئة المثقفين
ستلعب دورا محوريا في إحداث التغيير , و قد ربط كل منها بنوع معين من المثقفين :
فهنالك الأدباء و الكتاب الذين يربطهم بمهمة النقد و التقييم و التوعية , أما
المعلمون و الأساتذة فلخص دورهم في التعليم و التثقيف , و أخيرا يذكر أن مهمة
التنظيم و التخطيط تقع على عاتق المهنيين و الاختصاصيين.