الجمعة، 25 ديسمبر 2015

زيارتي لقصر فيرساي


ماهذا الذي أراه؟ حقيقة أم خيال ؟! كيف صمموه؟ وبالإتقان الدقيق صنعوه؟ إن زخم الفن والمعمار في هذا المكان يرتقي لأن يكون قاتلا! وماهذا الذي أسمعه ؟ قصة سادس عشر؟ شابة مدللة صغيرة السن مرحة،تحب صخب الحياة، وشاب خجول ممتلئ القوام ، اعتلى عرشا أكبر منه! موسيقى قاعة المرايا، تتلاحم مع صراخ الثوار عند الأبواب، مشاعل النار تترائى من النوافذ، سكبت الدماء، تحولت لشلالات، رسمت القطيعة بعد الرقم السادس عشر. أذني تردد ما قالته عيني: إن زخم الفن والمعمار في هذا المكان يرتقي لأن يكون قاتلا .....  

شاتو دي فيرساي 

يعتبر أشهر القصور في فرنسا، كيف لا وقد حمل ما بين جدرانه لويس السادس عشر آخر ملوكها؟ والملكة ذائعة الصيت، المدللة ماري أنطوانيت؟ وشهد ثورة الشعب وإسقاط الملك ؟ فهو ليس معلم مادي فقط بل رمز يختصر تاريخ، ويختزل عبر ودروس إنسانية عميقة! بالرغم من أنه بني ليكون منزل للصيد في الأساس للملك لويس الثالث عشر، إلا أنه مر بسلسلة من التغيرات والتوسعة وإعادة البناء في عهد كل من لويس الثالث عشر و لويس الرابع عشر، وانتهى ليكون تحفة فنية في عهد لويس السادس عشر، إلى أن استخدمه الشعب كرمز للفساد. 

زيارتي للقصر 

من زار القصر يعلم بأنه ضخم جدا، وقد يستغرق الأمر يومين أو أكثر لرؤيته كاملا مع الاستماع للملفات الصوتية التعليمية الخاصة به! لذلك سأتناول منه ما علق في ذاكرتي، والذي أعتقد بأنه أهم المعالم في القصر، لكن قبل ذلك أذكر بأن القصر يقع خارج  مدينة باريس، وبما ان الفندق الذي نزلت فيه كان في باريس، استقليت القطار لفيرساي، وقد استغرقت رحلة الذهاب والعودة ساعتين تقريبا.

البداية!

منذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها محطة القطار في فيرساي، تم إعلامي عن طريق مرشد من القصر بأن كل المتجهين للقصر عليهم أن يقفوا في نقطة معينة ليتم اقتيادهم للقصر، وفعلا ما أن أصبحنا مجموعة بدأ المرشد بالسير ونحن وراءه،إلى أن وصلنا للباحة المقابلة للقصر، وحينها أعتقد بأني رأيت أطول طابور من البشر في حياتي! لكن لحسن الحظ كانت العملية شديدة الترتيب ولم يستغرق الأمر نصف الوقت الذي تخيلته حتى أصبحت إلى جانب بوابة القصر الذهبية !

مرفق 1 : بوابة القصر الذهبة 


سأتجاوز الساحة  المفتوحة في قلب القصر إلى أول الغرف من القصر والتي كانت مخصصة لاستقبال ضيوف الملك ، ثم الغرفة المخصصة لاستقبال ضيوف الملكة، فكما هو موضح في المرفقين 2 و 3، فإن الغرفة مليئة بالتفاصيل، والألوان، لكن هذا لا يقارن بالغرف التالية، فمن المعروف بأن الغرف في فيرساي تصبح أكثر إبهارا كلما توغلت فيه، وذلك تجنبا لإثارة الزائرين، وإيقاظ مشاعر الحقد على الحياة الرغيدة التي كان يعيشها الملك، لكن هذا الاجراء لم ينجح  بحمايته في النهاية

المرفق 2 : غرفة استقبال الملك

المرفق 2 : غرفة استقبال الملكة


ومن المعروف عن لويس السادس عشر أنه كان يحب القراءة، لذلك خصص لنفسه غرفة جعل منها مكتبة خاصة، إذ احتوت على خزائن فيها كتب التاريخ والفلسفة واللاهوت، والتي كان يهتم بقراءتها. مرفق رقم 3 


مرفق رقم 3 : مكتبة الملك

الابهار يتعاظم : الكنيسة قاعة المرايا إلى حديقة القصر

للأسف فإن الكنيسة المخصصة للصلاة في القصر كانت مغلقة، ولكنني تمكنت من تصوير الممر الطويل الذي ينتهي إلى المذبح الذهبي، وكانت الأرضية والعواميد والسقف المغطى بالرسوم والذهب، عبارة عن تحفة فنية ! مرفق رقم 4

مرفق رقم 4 : الكنيسة داخل القصر


بعد أن تجتاز عدد من الغرف و الممرات والأبهية، وتصعد السلالم، تصل لأجمل قاعة في القصر، ولأشهرها على الإطلاق وهي : قاعة المرايا، فماري أنطوانيت كانت تحب اقامة الحفلات الراقصة ، وهكذا شهدت جدران الغرفة المصنوعة من مرايا كم كبير من الاحتفالات، وحسبي أن توليفة المرايا مع الثرايا المنخفضة نسبيا، إلى السقف المغطى بالرسوم، والديكورات، تجعل القاعة المكان الأمثل لمن أراد الاحتفال والحياة الصاخبة! مرفق 5، 6، 7.
 
مرفق 5 : سقف قاعة المرايا


مرفق رقم 6 : قاعة المرايا

مرفق رقم 7 : قاعة المرايا


 وفي ظهر القاعة هنالك غرفة بحجمها، ثم غرفتي الملك والملكة ! فبالرغم من أنهما زوج وزوجة لكن العادات والتقاليد السائدة بين العائلات الأروستقراطية والملكية تخصص غرفة للملك وأخرى للملكة، ولا يجتمعان إلا بدعوة! مرفق 8، 9، 10، 11


مرفق رقم 8: غرفة الملك


مرفق رقم 9: غرفة الملكة

مرفق رقم 10: تسريحة الملكة

مرفق رقم 11 : سقف غرفة الملكة 

أيضا من الأمور الطريفة بغرابتها، أن أبناء الملك والملكة لا يجلسون إلى نفس الطاولة التي يجلس عليها الملكين أثناء تناول وجبات الطعام اليومية، بل على طاولة مقابلة لهما، وبالرغم من أن طاولة الأبناء لم تكن موجودة عند زيارتي لخضوعها للصيانة، ظل المشهد مضحكا بالنسبة لي ! 

مرفق رقم 12: طاولة طعام الملك والملكة

مرفق رقم 13 : حيث يجلس الأبناء لتناول الطعام

أما عن القسم الأكثر ابهارا بالنسبة لي، فقد كان بلا شك حديقة القصر، ربما لأنني ابنة الصحراء؟ فبالرغم من أن السماء كانت ملبدة بالغيوم لكن ذلك لم يمنع الحديقة من أن تشع جمالا، وهي تمتد على مساحة 800 هكتار، وأكثر ما أعجبني في الحديقة هي"بحيرة التنين" مرفق رقم 15، والتي تمثل مشهدا من المثولوجيا الإغريقية، وتحديدا أسطورة أبولو مع الثعبان بايثون ، وتحيط بها نوافير ترتفع المياه منها سبعة وعشرين مترا في الهواء.

مرفق رقم 14: حديقة القصر

 مرفق رقم 25: بركة التنين 


مرفق رقم 26 بركة التنين 

من سوء حظي أني لم أتمكن من زيارة كوخ ماري أنطوانيت، وهو المكان الذي أحبته ماري، وأمضت فيه معظم وقتها بعيدا عن القصر، ويقال بأنه المكان الذي شهد خيانتها للملك، قبل أن يتمكن لويس السادس عشر من اجراء عملية سمحت له بالانجاب. وبالمناسبة تشير بعض المصادر إلى أن الجملة الشهيرة "إذا لا يملكون خبزا، فليتناولوا البسكويت" والتي تنسب لماري قبيل قيام الثورة لم تقلها حقا، إنما كانت نوع من أنواع البروبغاندا للجرائد الصفراء المنشرة كثيرا آنذلك، فماري ولويس السادس عشر لم يكونا أشرارا، ولكنهما لم يكونا جديرين بالحكم أيضا، وقد استغلت الزمرة التي لم تكن تستفيد من وجودهما -من العائلات المهمة والكتاب- ذلك، وفي النهاية استمرت كرة الثلج بالتدحرج إلى أن ثار غضب الشعب الفقير ونفذ صبره! 

أخيرا أرفق مجسما مصغر للقصر، وبعض معالم الجمال من لوحات وديكورات، وبالطبع صورة "سيلفي" في الغرفة التي تقع خلف قاعة المرايا، حيث الأسرار الحقيقية واللقاءات المهمة :) 

مرفق رقم 27 : مجسم القصر


مرفق 28: أحد الأسقف في القصر

مرفق 29 : أحد الأبهية 

مرفق 30: لوحة لماري أنطوانيت وأبنائها 


سيلفي في الغرفة خلف قاعة المرايا 

الأحد، 13 ديسمبر 2015

مراجعة فئران أمي حصة






إني كلمات محظورة، إني كلمات ممنوعة، أغلق عينك، سأتسلل إلى فناء عقلك، سأضرم النار في روحك، إذا سمحت لي بالعبور من بوابة بصرك، سأفسد أخلاقك، وأسمم مسلماتك! لماذا لاتزال واقفا؟ تتحداني؟ تتحدى جبروتي؟ تجرؤ على أن تميط اللثام عني؟ هذا يعني واحدة من اثنين إما انك لا تدرك عواقب الأمور جيدا أو انك ترى في نفسك ندا كفئا ، حسنا، على أي حال لقد حذرتك، إني كلمات محظورة، أني كلمات ممنوعة، لنرى ما أنت ؟ 

رواية ممنوعة! 

كغيري من القراء في الكويت علمت بواسطة وسائل التواصل الإجتماعي بأن هنالك كاتب من الكويت، حائز على الجائزة العالمية للرواية العربية عن روايته الأولي " ساق البامبو" ، لكن الأمر لم يثر اهتمامي لقراءتها، لكن عندما تم منع روايته الثانية "فئران أمي حصة"، شعرت بأن هنالك من يقلل من قدرتي على تقدير الأمور، والقراءة النقدية، ومع استمرار حديث الناس عنها، وجدت نفسي مجبرة لأن أطلع عليها! لأني لا أقبل الرقابة على العقول، ولا أقبل أن يقال لي " أنت لا تعرفين مصلحتك، هذا مضر!" خصوصا على مستوى الكلمات! فأنا التي تقرر ما هو المضر، وأظنه حق مستحق بعد اتمام الإنسان لتعليمه الجامعي.

 الشكل

الرواية تدور أحداثها في الماضي والمستقبل، فالفصول مقسمة على نحو تجعل القارئ يتردد بين فترتين زمنيتين: يبدأ مع المستقبل، ويتناوله بطريقة سرد أحداث يوم - تشبه طريقة مسلسل 24 ، وفي الفصل الثاني يتناول الماضي، ثم يعود للمستقبل - حاضر الشخصية - وهكذا، ويقسم فصول الماضي لأربعة "فئران"، يرمز بواسطتها للمراحل والآفة التي توصله في النهاية لذلك اليوم في المستقبل، ومع  فصول "الفئران" نراه تارة يسرد بضمير المتكلم وتارة بضمير المخاطب.

الأحداث

لن أحرق الرواية، وسأختصر الأحداث الرئيسية بتفاعل مصير ثلاثة عوائل كويتية أثناء الغزو، والتغيير الذي أصاب طبيعة الحياة والمجتمع بعد الغزو خصوصا علاقاتنا بالمقيمين من دول الضد والعراق، ففي السابق كانت الجالية الفلسطينية كبيرة في الكويت، ويمكن لأبناء عائلة واحدة تسكن بيتا أن تشكل فريق كرة قدم لوحدها! وهذا الأمر اختفى بعد الغزو، كما تضررت العلاقات الكويتية-العراقية بشكل كبير، وأصبح العديد من الكويتين الذين تجمعهم علاقة نسب أو قرابه مع عراقيين ينكرونها، ويحاولون إخفاءها مثل مع حدث مع أحد الشخصيات العراقية التي أنجبت أبناء كويتيين، وبعد الغزو أصبح أحفادها ينسبون أصلها للاحساء! 
أيضا يتطرق الكاتب لقصة حب ما بين أبناء اثنين من العوائل المتجاورين سكنيا، ولكنهما ينتميان إلى طائفتين مختلفتين، ويجدان صعوبة في تتويج حبهما بالزواج بسبب هذا الاختلاف، ويبين الكاتب بأن في المستقبل ستكون الانقسمات أكثر خطورة وحدة إذا لم يتم ضرب ناقوس الخطر. 

التقرب بواسطة الذكريات لتمرير "الضربات"

هل أنت  كويتي من مواليد الثمانينات؟ هل كان أهلك من الصامدين في الداخل؟ إذا كانت اجابتك نعم على أحد هذه الأسئلة فعلى الأرجح سينتزع الكاتب منك دمعة، لا لشيء سوا لإثارته للذكريات الخاصة جدا، مثل الزر الذي رسمه أبناء جيلي على طاولات الدراسة، وكنا نكتب تحتها " اضغط هنا، يختفي المدرس"، ورائحة جدتك وملفعها وطريقة كلامها، وشكل السماء عندما أصبحت سوداء قبيل التحرير، فهذه الأمور انصهرت فينا كأطفال، وأي شخص يستدعيها من الماضي، يجعلنا نصغي، أي أن الرواية تعتمد بشكل كبير على مخزون الذكريات لدى المتلقي، والحس المشترك بالخصوصية، وعندما تكون في ذلك الوضع يمرر الكاتب رسائل يدق من خلالها "ناقوس الخطر" لأنه يعتقد بأن أوانه قد حان، وقد صرح الكاتب على لسان الشخصية الرئيسية بأن هذا التكتيك الذي سيتبعه لمحاربة " الفئران" ، ويقصد بالفئران الأسباب المستترة/الأمراض الدفينة والتي نرفض الاعتراف بها، والتي ستكون السبب في سلبنا الأمان في المستقبل.

من أنا؟ 

كيف وجدت الرواية؟ بما أني من جيل الثمانينات ومن الصامدين في الكويت فقد أبكتني في مواضع معينة، لأنها تحدثت إلي بلغة طفولتي، لكن هل الرواية من الناحية الفنية والثراء المعرفي والعمق  قادرة على شد القارئ؟ هل العطر والأحداث الدرامية كانت كافية وتشفع للرواية في النواح الأخرى؟ هل الرسالة التي أثارتها تم معالجتها بعمق أو سطحية؟ هل أسلوب "دس السم بالعسل" تم بدقة وسلاسة ووفق رؤية واضحة؟ أم متخبطة بهدف الاثارة ؟ أخشى بأني أميل للإجابة السلبية على الأسئلة السابقة، لكني أقدر الجهد، وأعتقد بأن هنالك مجال لدى الكاتب لأن يجعل القادم أفضل، متمنية له التوفيق ، والحرية للكلمة دائما. 

الخميس، 3 ديسمبر 2015

تلخيص كتاب حرية الإنسان في الإسلام

الأصل ما استتر، الأصل كامن في الصميم، قبل أن يشكل الجسد، الأصل "من علم ربي"، لذلك فنحن نبصر ونسمع وبالفؤاد نكتشف العالم ، ومن احتكر التفسير، وكرس الفهم القديم، وأشاع بأنه الأصل، لهو يكرس الجهل والهوان، في العصر الحالي ويهدد الأمان، فالأصل ما استتر، الأصل كامن في الصميم، قبل أن يشكل الجسد، الأصل "من علم ربي"..
التلخيص  

ما أوردته في التقديم ربما يعد تلخيصا مركزا لما يقدمه الكتاب، ألا وهو: وجهة نظر مختلفة وقراءة جديدة للإسلام، تنطلق من رفض لاحتكار نخبة تاريخية لحق التأويل والتفسير، وبكلمة أخرى هو : تعبير عن إرادة حرة، واحترام للذات، فلو أن الأقدمون قد اجتهدوا وبواسطة روحهم فسروا وأدركوا، فإن ذلك لا يسلب الذين أتوا من بعدهم من نفس الحق،  وفي هذا الإطار يسطر المفكر والباحث محمد أبو القاسم حاج حمد111 صفحة، مقسمة لأربعة فصول تحمل العناوين الآتية : 

1- مقومات الحرية.
2-التكوين الطبقي وعلاقته بالحرية وإشكاليات التنظيمات الإسلامية.
3-القطيعة المعرفية مع الأيدولوجيا.
4-العبودية لله.


المفكر محمد أبو القاسم حاج حمد 

أود أن أشير إلى أن بعض الصفحات تحتاج إلى إعادة القراءة أكثر من مرة، وإن لم تكن تملك خلفية في السياسة والاقتصاد و الثقافة الإسلامية، فقد تحتاج للاستعانة بمحرك البحث قوقل لتتمكن من تتبع الأفكار الواردة في الكتاب. 


الدستور وعلاقة المسلم بغير المسلم
 يعيد محمد أبو القاسم  قراءة التراث الإسلامي ليخلص لنتيجة مفادها أن تراث تطبيق النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الإسلامي هو ما يجعل الإنسان المسلم الحالي مجبر على إيجاد حلول توفيقية للواقع خالية من العمق والمعنى، وسهلة الانكسار عند أول امتحان لها، بينما ما نحتاجه هو تغير التصور الذي نستخدمه  a shift in our perspective ، مثل : اعتبار القرآن الكريم كتاب مهيمن وكلي وليس كتاب تشريع أو دستور! فإن كان هنالك دستور في الإسلام فهو وصايا جبل عرفات -حجة الوداع-: لأنها تخاطب جميع الناس جميعا، وتحمل المقومات اللازمة لاعتبارها دستور في أمة متعددة الأجناس والخلفيات، بينما القرآن هو كتاب أكبر وأعم وأشمل، ووصفه بالدستور يعد كوصف الكل بأنه جزء.  
كذلك يعتبر محمد أن الحدود فيها حدود عليا ودنيا، وفي أمة متعددة فإن وصايا جبل عرفة تصلح لأن تكون الحدود الدنيا،  ويرى أن المسافة ما بين الحدود الدنيا والعليا مفتوح للفقه والاجتهاد، وعليه يرجع محمد إلى القرآن ليبحث عن الحدود الدنيا التي تتناسب مع الدستور، ويؤكد على أن القرآن قد جاء لينسخ الكتب السماوية السابقة نحو التخفيف ، وعليه فإن اتباع نفس النسق هو الأساس في النظام والتعامل الإسلامي، وتحت هذا الإطار يربط محمد أبو القاسم العداوة بين المسلمين وغير المسلمين بثلاثة شروط  مبنية على قراءته لسورة الممتحنة 7-8 :

1- أن يقاتلونا في ديننا.
2- أن يخرجونا من ديارنا.
3-أن يؤيدوا من يخرجنا.

السمع، البصر، الفؤاد، الروح : مفاتيح الحرية في الإسلام

((أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )) صدق الله العظيم

ينطلق محمد من هذه الآية ليبين الآلية التي من خلالها جعل الله الإنسان حرا، فالإنسان حر لأنه مكرم بالسمع وليس بالأذن، بالبصر وليس بالعيون، بالقلوب وليس بمضخات للدماء! كما أن للإنسان بعد رابع بالاضافة إلى النفس، البدن، والحواس، وهي الروح ، التي هي مكنونة في الإنسان لكنها لا تنتمي إلى هذا العالم، أي أنه هذا التصور يجعل حرية الإنسان نابعة من داخله، وداخله مرتبط "بعلم ربي"، وعليه فإن على الإنسان أن يوظف كل حواسه وبدنه - قلبه ، بصره، سمعه- ليكون حرا ويحلق في فضاء هذا العالم، ويستخدم البعد الرابع المكنون ليهذب نفسه الأمارة بالسوء.

 إذا الحرية في الإسلام لا تنبع من علاقته بالآخر كما هي الحرية في المجتمعات الغربية بل تنبع من علاقة الإنسان بنفسه، بالإردة وحس المسؤولية التي منحها الله له، وهو ما يؤكده الفصل الثاني من الكتاب إذ يشرح المفكر بأن النظام في الغرب هو " وليد الواقع عبر سلسلة من عمليات الانعكاس الجدلي من أسفل إلى أعلى، أو من القاعدة إلى المنظومة الفكرية التي تجسد طبيعة النظام. هذه السلسلة الجدلية تصبح معكوسة تماما حين نأخذ بمفهوم الحرية الروحية الإسلامية ..." ص61 فالإرادة الإنسانية تعلو على المشيئة الطبيعية جدليا وماديا، والإنسان بموجب الروح يمتلك حق قراءة الكتاب الكوني بروح ابداعية تخوله أن يكون حرا، وما يحدد مداها هي "أخلاق الروح".

 كما يؤكد الكاتب على أن لا يوجد تنظيمات سياسية باسم الاسلام ، بل هنالك أمة مختارة، مهمتها محددة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال " النفر القدوة". 


توق إلى العالم الذي أنزلنا منه وليست إكراها


أما وجهة نظره الخاصة بعبودية الله وكيف تتعارض فكرة "الحرية" مع مفهوم العبودية،  فيرى المفكر أننا نحتاج لقطيعة مع الإحاطة المفهومية للأيدلوجية التاريخة التي تصور علاقة العبودية في إطار (حاكم- الله) و (عبيد-البشر)، ويورد علاجه للنقطة حسب الآتي  وهو: أن سيدنا آدم عندما كان في الجنة - المستوى الروحي- لم يكن يعبد الله بحواسه ونفسه بل بروحه، لكن عندما أنزله الله إلى الأرض نزلت أيضا مستوى العبادة وأصبحت على مستوى الحواس، ولأن الله زود بني آدم بوسائل الإدراك فإن عبادة الله لا تعود إجبارا بل طواعية وادراكا بأن جانبنا الروحي يتوق الى العالم الذي ينتمي اليه، فتصبح العبادات كالأجنحة التي ترسل العبد في ملكوت الله، وهو فهم مغاير تماما لعلاقة العبد بالحاكم أو بالسيد.

 تعقيب 

كما هو واضح فإن ما يورده الكتاب في صفحاته القليلة يتجاوز من حيث الثراء ما تقدمه مجلدات ضخمة، ويمكن القول بأن التصورات والأفكار التي يطرحها قريبة من التصوف - وبشكل أقل التفكير الطوبائي-، لكنها تطرح حلولا مقبولة للعراقيل التي تصادف الإنسان المسلم المعاصر، فالحرية المسؤولة والمنوطة بالروح والحس الإدراكي تبدو أكثر مناسبة للإنسان بالمقارنة مع الحرية الوضعية ، لكن يبقى التطبيق هو المحك.

كذلك أذكر بأن الكتاب يحمل سمة ما يتبناه، أي أنه يترك المجال للتفكير، - لربما كان عن قصد أو غير قصد-  فعلى سبيل المثال يذكر المفكر أن أبعاد الروح هي التي تحدد علاقاتنا ببعض، ونستمدها من التفاعل ما بين وسائل إدراكنا وديننا الحنيف، ويتناول الرابطة العائلية ضمن هذه الرؤية في آخر نقطة من الفصل الأول، ويورد شرحا معتمدا على الآيات القرآنية لبيان أهمية الأسرة والعلاقات المنظمة لها ، لكنه لم يذكر تعدد الزوجات وهي نقطة مهمة ،  من الصعب إغفالها خصوصا ضمن قراءة كالتي يطرحها.

أخيرا أذكر بأن هنالك أفكارا جريئة يطرحها الكاتب لم أتناولها بالتلخيص، إذ ركزت على أهم الأفكار المطروحة من وجهة نظري، لكن الكتاب زاخر بالآيات القرآنية والتأويلات، وإن كان يعاني شحا في المراجع.