التاريخ الإنساني تاريخ غريب، تتداخل فيه الأفكار والتصورات، فهنالك تشابه ما بين الثقافات الانسانية والحضارات عبر العصور، لكن الطريقة التي ترحل فيها الأفكار لتتجسد تحت اسم آخر في ثقافة أخرى و في منطقة جغرافية أخرى غير واضح وصعب التتبع، نذكر على سبيل المثال موضوع الآلهة قبل نزول الديانات السماوية، فآلهة الحب والجمال مثلا في الحضارة السومرية هي إنانا، وفي الآشورية عشتار، وفي اليونانية أفروديت، و الرومانية فينوس ، ويرمز لها جميعا بكوكب الزهرة ! *1 لكن لم يحدث أن تم نسب الفكرة لثقافة معينة بشكل قاطع، بالرغم من التشابه الكبير بينها وتأكيد وجودها ضمن تسلسل تاريخي بعد اكتشافات الآثار وفك رموز اللغات القديمة. ولربما كان السبب في التشابه كون الجميع يواجهة نفس الأسئلة بنفس المعطيات في شتى أنحاء العالم، وبما أن العقل البشري واحد فالنتيجة كانت متشابهة، أو لأن الخيط الرفيع الذي سافرت من خلاله الأفكار كان أرفع من أن يتم متابعته ضمن التسلسل التاريخي، فقد يكون كتاب في مقتنيات رحالة، أو قصة في ذاكرة جدة أحد المهاجرين وقد روتها دون تدوين ... الخ
ومن ضمن المواضيع التي أثارت العالم، وطرح بشأنها نفس التساؤل الآنف ذكره هو احتمال كون أشهر نص إيطالي، وأقوى الملاحم الغربية مستسقاه من مصادر اسلامية! وتحديدا رسالة الغفران وقد أثير هذا الموضوع بعد دراسة شهيرة للمستشرق الأسباني بلاثيوس بعنوان علم الأخرويات الإسلامي في الكوميديا الإلهية ، لكن الأمر استبعد بحجة أن الرسالة لم تكن مترجمة إلى لغات أخرى في القرون الوسطى، كما أن فكرة تصور عالم ما بعد الموت ليست بجديدة، وعرفتها الحضارات القديمة كالفرعونية والسومرية! إلا أن بلاثيوس يرى أنه من المحتمل أن يكون برونيتو لاتيي- أستاذ دانتي وصديقه قد نقل له شفويا بعض المعلومات الشفوية أو الخطيه عن تصور المسلمين لحياة الآخرة، خصوصا وأنه انتقل ما بين قشتاله وفلورنسا. ومن جهة أخرى نجد أن انريكو سيرولي نسب أيضا فكرة الكوميديا الالهية إلى أصول اسلامية، فهو يذكر في كتابه مقياس وقضية المصادر العربية - الإسبانية من الكوميديا الإلهية أن ألفنسو - الملك العاشر لقشتاله أمر بترجمة صور من صور الاسراء والمعراج من العربية للقشتالية ، وقد قام بالترجمة ابراهيم الحكيم اليهودي سنة 1264، ثم ترجمت من القشتالية إلى اللاتينية والفرنسية القديمه على يد بونافنتورا دا سينا بأمر من ألفنسو كذلك *2
سواء كانت رسالة المعري، أو قصة الاسراء والمعراج، أو كان العقل البشري بشكله الأولي النقي، أو الأساطير والتراث المسيحي ... تظل الكوميديا رحلة لإنسان في عالم هو منا ونحن لسنا منه إلا بعد أن لا نعود نحن الآن! كما أنها رحلة مليئة بالصور الخيالية، والبناء المحكم، مما دفع العديد من الفنانين الكبار لتجسيدها كلوحات وتماثيل، كما ساهمت في نقل آوربا من العصور الوسطى لعصر النهضة، فهي في جوهرها رسالة أخلاقية، تحاول أن ترفع الانسان وتنئى به عن ما يتعارض مع الطبيعة الخيرة من خلال صهر ما تجلى في روح دانتي ضمن صور فنية قادرة على التغلغل في المتلقي، واشعال شمعة التروي لإعادة تقييم أنفسنا والطريقة التي ننظر فيها للعالم.
وبما أن المحتوى العربي على الإنترنت يفتقر لمقال يلخص أهم أفكار هذه الملحمة المهمة مقرونة باللوحات التي حاولت تجسيدها، قررت أن أقوم بذلك.
وهكذا، ومع الغموض التاريخي وصعوبة القطع ظهرت العديد من الدراسات التي تستخدم المنهج المقارن بين النصين، واتجه البعض فيها إلى أن الكوميديا الإلهية وبشكلها المحكم والصور الخياله الغنية قد غيرت من الفكرة الأساسية بحيث أصبحت جديدة! فحسب هؤلاء إن كلا من النصان يشتركان بأنهما مبنيان على فكرة رحلة للعالم الآخر ومحاورة الأشخاص هناك منهم مشاهير وشعراء، لكن عدا ذلك يختلفان بكل شيئ، وذلك يتضح من بمقارنة الأسلوب، والشخصيات، والوصف.
لكن البعض الآخر يصر على أن الفضل يعود للمعري في إيجاد الكوميديا الإلهية لدى دانتي! منهم محمد كرد علي الذي قال :"أعمى المعرة كان معلماً لنابغة إيطالية في الشعر والخيال " وكذلك الياس أبو شبكة اذ قال :"إن الشاعر الفلورنسي قد نسخ خطة المهزلة الإلهية عن رسالة الغفران ، واستعان بالشاعر فرجيل في طوافه مناطق العقاب والثواب" . *3
وأمام هذه الآراء المتعددة لا يسعني ألا أن أرفق بعض الدراسات التي تقارن بين النصين بشكل مفصل، وباستخدام المنهج المقارن، مثل دانتي والاسلام و مقاربة بين رسالة الغفران للمعري والكوميديا الإلهية لدانتي ، وذلك لمن أراد التوسع، كما أؤكده على فكرة زيارة عالم ما بعد الموت ليست غريبة على العقل الانساني، إذ عرفتها أقدم الحضارات، منها رحلة إنانا للعالم السفلي .
وأمام هذه الآراء المتعددة لا يسعني ألا أن أرفق بعض الدراسات التي تقارن بين النصين بشكل مفصل، وباستخدام المنهج المقارن، مثل دانتي والاسلام و مقاربة بين رسالة الغفران للمعري والكوميديا الإلهية لدانتي ، وذلك لمن أراد التوسع، كما أؤكده على فكرة زيارة عالم ما بعد الموت ليست غريبة على العقل الانساني، إذ عرفتها أقدم الحضارات، منها رحلة إنانا للعالم السفلي .
ملخص الكوميديا الإلهية: الجزأ الأول
وبما أن المحتوى العربي على الإنترنت يفتقر لمقال يلخص أهم أفكار هذه الملحمة المهمة مقرونة باللوحات التي حاولت تجسيدها، قررت أن أقوم بذلك.
أذكر كذلك أن رواية دان براوة الحديثه بعنوان "الجحيم" ساهمت في تعريف جيل الشباب بالكوميديا الإلهية من خلال استخدامه بعضا من أجزائها لحبك قصة إثارة وغموض أمام بطل سلسلة رواياته وهو الأستاذ المتخصص بالرموز القديمة (روبوت لانغدون) ، ومن المتوقع أن يتم تحويل الرواية إلى فيلم على غرار رواياته السابقة مثل (شيفرة دافنشي) و (ملائكة وشياطين).
باتريشا ودانتي
اللقاء الثاني ما بين دانتي وبياتريشي |
قبل التطرق للكوميديا أذكر بأن دانتي عاش حبا من طرف واحد مع بياتريشي بورتاناري أثر عليه و على عمله الذي يتناوله البوست، ففي سن التاسعة رآها لأول مرة في كنيسة سانتا مارغريتا ديسيرتي ، وتعلق بها قلبه ، لكنها لم تبادله الشعور، وسخرت من صدقه! و في المره الثانية التي رآها فيها كان في أحد شوارع فلورنسا وهي ترتدي فستانا أبيضا، إذ حيته بياتريشي، وطار قلب دانتي سعادة، وعندها حلم بأول قصيدة لمجموعة قصائد تعرف اليوم باسم لا فيتا نوفا وترجمتها (الحياة الجديدة)، لكنه لم ينشرها الا بعد وفاتها، فبياتريشي تزوجت وماتت بعد ثلاث سنوات من زواجها وهي بسن 24 عاما، وقد بكاها دانتي ، إذ مات حبه في صدره أولا ثم اختفى من العالم بلا رجعة! وهكذا التحمت بياتريشي بخياله، وأصبح حبه الذي لاقى حتفه في المهد دافعا وملهما، حتى صورها في الكوميديا على أنها دليله ومخلصته في الجنة! وأبقى ذكراها حتى هذا الوقت على أنها صورة منزهه للحب الخالص وكل شيء جميل. كما أن الكنيسة التي التقوا فيها أول مرة يقصدها العديد من المحبين من طرف واحد، ليلقوا برسائل قلوبهم المنكسره كنوع من التضامن واعطاء حبهم معنى جميل كالذي كان يحمله دانتي. فالدنيا لم تنول دانتي حبه لكن التاريخ أنصفه ومنحه أسمى مكانه لأنه كان انسان محب.
:الكوميديا الإلهية
تعد من أهم الملاحم الشعرية الإيطالية، وتعد ذات شأن كبير في التاريخ الإنساني، كتبها دانتي ألغييري ، في الفترة ما بين 1308 و 1321، وتتكون من 3 اجزاء وهي: الجحيم - المطهر - الجنة، ويتكون الجزأ الأول (الجحيم) من 34 أنشودة، بينما كلا من الجنة والمطهر يتكونان من 33 أنشودة، أي أن المجموع هو 100 ، وهو رقم 10 مضروبا في نفسه، وكان يعتبر الرقم 10 رمزا للجمال .
بطل الرواية هو دانتي نفسه، إذ أنه يتخيل نفسه في منتصف العمر ضائعا في غابة، فتهب باتريشا -لنجدته من خلال استعانتها بالشاعر فيرجل فتطلب منه أن يصبح دليلا ومرشدا لدانتي ، وفعلا يقوم فيرجل بهذا الدور وتبدأ رحلة دانتي عبر الجحيم مع مرشده.
الجحيم:
الجحيم كما صوره دانتي ورسمها ساندرو بوتشيلي |
عند مدخل الجحيم: رأى دانتي اللذين لم يمتلكون الشجاعه للقيام بعمل خير أو شرير، و كان عذابهم هو أن يمشون عراة، فتلسعهم الحشرات، وتختلط دماؤهم بعرقهم، ويسيل على الأرض فتأكله ديدان مقرفة.
الحلقة ا لأولى : الليمبو: التقى فيها دانتي الأخيار الذين ماتوا قبل نزول المسيحية فلم يتم تعميدهم، لكن هنالك من تم مسامحته وأخذه للجنة من هذه الفئة. عذابهم هو التطلع الأبدي لمصير أفضل دون نيلهم ذلك.
الحلقة الثانية: هنا يبدأ جحيم دانتي الحقيقي، ففي هذه الحلقة نجد الآثمين الذين غلبوا عاطفتهم على عقلهم، وقد حاور في هذه الحلقة امرأة ورجل يدوران في عاصفة عوجاء، ويتضح له بأنهما فرانشيسكا و باولو اللذان غلبا عاطفتهم على تفكيرهم، وعذابهم كان ان يعلقوا في عاصفة هوجاء أبد الآبدين.
عذاب فرانشيسكا وباولو في الحلقة الثانية من جحيم دانتي |
الحلقة الثالثة: هي الحلقة المخصصة للنهمين والشرهين، وعقابهم هو أن يتمزقون ويلتهمون من قبل الوحش تشيربيروس - cerberus- ذو الرؤوس الثلاثة. عندما وصل دانتي وفيرجل هاجمهم الوحش إلا أن فيرجل قام بالقاء حفنة من الرمل في فمه، ثم مروا على الأشباح المغمورة بمياه المطر، والتقوا بشبح تشاكو المواطن الفلورنسي المعروف عنه بالنهم.
فيرجل يلقي بحفنة تراب للوحش ذو الرؤوس الثلاثه |
الحلقة الرابعة: شهد دانتي في هذه الحلقة منظر قد يذكرنا بعقاب سيسيف في المثولوجيا الاغريقية ، إذ وجد مجموعة من البشر تدحرج صخورا ثقيلة باتجاهين مختلفين، وتبين له لاحقا بأن هؤلاء مجموعة البخلاء والمبذرين، وكان كل فريق يعير الآخر بمثالبه بينما يدفع الحجر.
الحلقة الخامسة: البخلاء والمبذرون. |
الحلقة الخامسة: مستنقع "استيكس" - النهر الحزين الذي يحيط بمدينة الشيطان حسب فرجيليو وهوميريس- المنظر في هذه الحلقة كان عبارة عن مجموعة من البشر ظاهرة على سطح الماء ، يضربون بعضهم البعض بالرؤوس والصدور ويمزقون بعضهم البعض بأسنانهم ، ويتبين لدانتي أنهم من كانوا سريعي الغضب في حياتهم الدنيا، وشاهد أيضا فقاقيع ترسل من الأعماق فتبين له أن مجموعة الكسالى ترقد تحت في الأعماق وهم الذين يرسلون فقاقيع الهواء الى سطح الماء، لانحشار الكلمات في حناجرهم.
الحلقة السادسة: سريعو الغضب وتحتهم الكسالى. |
مدينة دينيس:
بعد المستنقع وجد دانتي نفسه تحت برج عالي عند مدينة دينيس، وهنا وجد أحد أعدائه، فأظهر له دانتي القسوة، ورد عليه العدو بمحاولة لقلب قاربه، إلا أن فرجيل هدأ من روع دانتي وقبله، بينما زاد معذبوا العدو من عذابه.
لم يتمكن دانتي وفيرجل من دخول المدينة وواجهتهما بعض المتاعب في البداية ، إذ اعترضت طريقهما 3 جنيات لهن شعر من الأفاعي الصغيرة، وفجأة قمن بلطم أنفسهن والصراخ، و استدعوا ميدوسا لتحول دانتي لحجر لكن فيرجل أنقذه مرة أخرى، وفي النهاية استطعا الدخول بمساعدة ملاك هبط من السماء، وفتح المدينة وعاد من حيث جاء. وفي المدينة كانت قبور تشتعل نارا ، واللهيب يظهر من حولها، ويسمع من داخلها صراخ الهراطقة، وفيها التقى دانتي مرة أخرى بأحد خصومة لكنه هذه المرة التقى بالنصف العلوي - من منصفه حتى الرأس- فقط.
استمر دانتي و فيرجل نحو قلب العذاب، ووصلا لمنطقة من الصخور تفصل الحلقة السادسة عن السابعة، لكن روائح كريهة منعتهما من المضي قدما ، فاحتميا بكهف، وفيه استغل فيرجل الفرصة ليشرح لدانتي لماذا لم يجمع أصحاب الذنوب الآنف ذكرهم في الحلقات السابقة من الجحيم مع من سيلتقيهم لاحقا في قلب الجحيم، ويستعين بذلك بأفكار أرسطو في كتابه علم الأخلاق.
ميجيرا، إيرينس، أليكتو : الجنيات اللواتي اعترضن طريق دانتي لمدينة دينيس |
مدينة دينس |
الحلقة السابعة : تنقسم الحلقة السابعة لثلاث حلقات صغيرة :
الحلقة الأولى من الحلقة السابعة: هنا يقبع مرتكبي جريمة العنف، وعذابهم أن يكونوا في نهر من الدم المغلي ، بعضهم غمر حتى رموشه والبعض الآخر يصل النهر حتى أعقابهم فقط، وذلك التدرج مرتبط بحجم العنف الذي ارتكبه! أما بالنسبة لمن تسول له نفسه بأن يعلو بجسده أكثر مما يتناسب مع خطيئته، يقف له القناطس بالمرصاد موجهة لهم أسهم - مخلوقات أسطورية نصفها رجل ونصفها حصان، وترمز للعنف والغضب- .
الحلقة الأولي من الحلقة السابعة: نهر الدم المغلي |
الحلقة الثانية من الحلقة السابعة : عبارة عن غابة فيها أشجر جافة، ومخلوقات خرافية تسمى هيربوسة Harpies- نصفها امرأة ونصفها طائر- ، يكتشف دانتي بأنها أرواح الذين ارتكبوا خطيئة الإنتحار بحق أنفسهم، وعذابهم هو أن تنمو أرواحم بأجساد شجر ومن ثم تأتي الهيربوسات وتتغذى عليهم.
الحلقة الثانية من الحلقة السابعة : غابة المنتحرين |
الحلقة الثالثة من الحلقة السابعة : اتجه دانتي وفيرجل للكثبان الرملية التي تشبه رمال ليبيا، وتتساقط عليها لهيب من السماء، حيث يجدان المعذبون الذين اقترفوا جريمة العنف ضد الله أو الطبيعة أو الفن، وتتبعا أثر مياه كانت تسقط إلى الحلقة الثامنة في طريق ضيق ما بين غابة المنتحرين و كثبان الآثمين بحق الله أو الطبيعة أو الفن، وفي أثناء اتجاههما إلى الحلقة الثامنة ، إلتقيا بأحد من معارف دانتي ودار بينهما حوار بشأن فلورنسا، كما إلتقيا بثلاث من فرسان فلورنسا الشجعان و الذين كانوا يدورون حول أنفسهم بحلقة دون توقف ، وهو عقاب من ارتكب خطيئة قوم لوط.
قام فيرجل بمناداة الوحش جيريوني ، صاحب الوجه العادل وجسد الزواحف، وبينما انشغل فيرجل باقناع "وسيلة نقلهم للحلقة الثامنة" بأن يعيرهما كتفه، حاور دانتي بعض الآثمين في الحلقة الثالثة من الحلقة السابعة، وبعد موافقة الوحش صعدا على ظهره وهبطا للحلقة الثامنة.
أما الوادي الثالث من الحلقة الثامنه : فخصصه دانتي لمن حصل على الأشياء المقدسة بالمال دون التقوى، وعذابهم كان أن يدفن نصفهم في الأرض بالمقلوب حتى لا يظهر منهم سوى أرجلهم في الهواء تحترق باطن أقدامهم كالشموع.
الوادي الرابع من الحلقة الثامنة : فيها نرى المشعوذين والمنجمين، وعقابهم كان أن أصابهم التواء في أجسادهم بحيث رؤوسهم لفت للوراء، وأصبحوا يمشون للخلف وهم يبكون وتبلل دموعهم أردافهم!
الوادي الخامس من الحلقة الثامنة: خصها دانتي للمرتشيين الذين استغلوا وظائفهم لجمع المال، وعقابهم كان إلقائهم بقطران مغلي على يد شياطين مع شوك يعاملونهم كقطع اللحم!
الوادي السادس من الحلقة الثامنة : بعد أن خاض دانتي حوارات مع المرتشين في الحلقة الخامسة، استغل انشغال الشياطين بانقاذ أحد بني جنسهم بعد أن خدعه أحد الآثمين، وبعد أن حمل فيرجل دانتي خوفا من ملاحقة الشياطين، وصلوا للوادي السادس حيث يقبع المنافقين وعذابهم صلب على الأرض واحتمال وزن العابرين عليه.
الوادي السابع: وصلا الشاعران للوادي السابع المليء بالزواحف، وهو عقاب اللصوص، إذ أن الزواحف تلتف عليهم وتلدغهم فيحترقون ويتحولون إلى رماد، وقد التقى دانتي بعدد من أشهر اللصوص في المثولوجيا اليونانية وفي فلورنسا، منهم بووزو دلي أباتي الذي رآه دانتي بعد أن لدغته أحد الزواحف بسرته يتحول ليكتسب جلدها و أعضائها والعكس حدث للزاحفة وانتهى الأمر بأن تتكلم بينما بووزو يطلق صفيرا.
الوادي الثامن من الحلقة الثامنة : خصصت لهؤلاء الذين لا يراعون الأمانة والصدق في آرائهم، وعقابهم هو أن يسيروا بينما يلف أرواحم اللهيب، ومن بين المعذبين الذين التقاهم دانتي كان أوديسيوس - صاحب فكرة حصان طروادة-.
الخندق التاسع من الحلقة الثامنة: مخصصة لمن أثار الفتن السياسية والدينية ، ولقد عجز دانتي عن وصف كمية الجروح والدماء التي رآها في هذا الخندق! فهنالك أنوف مقطوعة و أذرع، و هنالك من حمل رأسه كمصباح يتدلى، وكان هذا الشاعر برتران دي بورن الذي أوقع ما بين هينري الثاني ملك انجلترا وابنه.
الهبوط للحلقة الثامنة |
الحلقة الثامنة - الماليبولجي Malebolge : انطلق الوحش كالسهم بعد أن أوصل دانتي وفيرجل للحلقة الثامنة، وهي عبارة عن مكان مليئ بالخنادق و الأودية الصخرية ذات اللون القريب من الحديد الصدأ والذي يتناسب مع طبيعة قلوب الآثمين في الخندق الأول ، فهو المكان الذي يقبع فيها الخونة الذين خانوا القلوب وارتكبوا خطيئة الإغراء ومن غرر في النساء ! فيبدو أن التلاعب بالمشاعر لدى دانتي من أعظم الكبائر، وقد قدمها على مرتكبي العنف، وجعل عذابهم في أن تجلدهم الشياطين وتلهب ظهورهم في أحد الخنادق، بينما يغوص بعضهم في برك من الغائط البشري في الخندق الثاني.
الحلقة الثامنة- الوادي الأول والثاني : مرتكبي خطيئة الإغراء |
الوادي الثالث من الحلقة الثامنة: خطيئة السمعانية |
الوادي الخامس من الحلقة الثامنة: خصها دانتي للمرتشيين الذين استغلوا وظائفهم لجمع المال، وعقابهم كان إلقائهم بقطران مغلي على يد شياطين مع شوك يعاملونهم كقطع اللحم!
الوادي الخامس من الحلقة الثامنة : المرتشين |
الوادي السادس من الحلقة الثامنة : بعد أن خاض دانتي حوارات مع المرتشين في الحلقة الخامسة، استغل انشغال الشياطين بانقاذ أحد بني جنسهم بعد أن خدعه أحد الآثمين، وبعد أن حمل فيرجل دانتي خوفا من ملاحقة الشياطين، وصلوا للوادي السادس حيث يقبع المنافقين وعذابهم صلب على الأرض واحتمال وزن العابرين عليه.
الوادي السابع: وصلا الشاعران للوادي السابع المليء بالزواحف، وهو عقاب اللصوص، إذ أن الزواحف تلتف عليهم وتلدغهم فيحترقون ويتحولون إلى رماد، وقد التقى دانتي بعدد من أشهر اللصوص في المثولوجيا اليونانية وفي فلورنسا، منهم بووزو دلي أباتي الذي رآه دانتي بعد أن لدغته أحد الزواحف بسرته يتحول ليكتسب جلدها و أعضائها والعكس حدث للزاحفة وانتهى الأمر بأن تتكلم بينما بووزو يطلق صفيرا.
الوادي السابع من الحلقة الثامنة : اللصوص. |
الوادي الثامن من الحلقة الثامنة : خصصت لهؤلاء الذين لا يراعون الأمانة والصدق في آرائهم، وعقابهم هو أن يسيروا بينما يلف أرواحم اللهيب، ومن بين المعذبين الذين التقاهم دانتي كان أوديسيوس - صاحب فكرة حصان طروادة-.
الخندق التاسع من الحلقة الثامنة: مخصصة لمن أثار الفتن السياسية والدينية ، ولقد عجز دانتي عن وصف كمية الجروح والدماء التي رآها في هذا الخندق! فهنالك أنوف مقطوعة و أذرع، و هنالك من حمل رأسه كمصباح يتدلى، وكان هذا الشاعر برتران دي بورن الذي أوقع ما بين هينري الثاني ملك انجلترا وابنه.
الخندق التاسع من الحلقة الثامنة |
الوادي العاشر من الحلقة الثامنة: بكى دانتي كثيرا لما رأى في الخندق التاسع، إلى درحة أنه كان يود البقاء للبكاء إلى أن فيرجل نهاه عن ذلك ، فذهبو للوادي العاشر حيث مزيفو المعادن مستلقون على بطونهم أو راكعون وقد أصيبوا بأمراض مختلفة الجرب و البرص والصرع ولا يقوون على الوقوف.
في رحلتهم نحو الدائرة التاسعة، مر الشاعران بأرض المردة، وكان من ضمنهم نمرود مكبلا كبقيتهم ، لكن الوحيد أنتيوس الذي لم يكن مكبلا وهكذا سألاه الشاعران بأن يأخذهم لقلب البئر حيث الحلقة التاسعة من جحيم دانتي.
نمرود |
أنتيوس ينقل الشاعران للحلقة التاسعة |
الحلقة التاسعة : أول دائرة منها خصها دانتي لخونة الأقارب! وقد استنجد دانتي بربات الشعر كي يساعدنه على التعبير عما رآه على المياه متجمدة، تطل رؤوس الخونة كالضفاضع، ولا يستطيعون البكاء لتجمد الدموع في مقلتهم! ثم دائرة خونة الوطن، فالأصدقا ، وأخيرا حيث يقبع لوسيفر يتواجد خونة من أحسن إليهم ، ويتناولهم لوسيفر بيديه الضخمتين ليلتهمهم عقابا على ما اقترفوه ، وهؤلاء تفارق أرواهم أجسادهم إلى هذا المكان حتى قبل موتهم! وطبعا هنا يرى دانتي يهوذا.
إذا هذا هو جحيم دانتي، هذه هي الخطايا مرتبة حسب درجة دنوها باعتقاده مقرونة بالعذاب الذي يشعر بأنه يليق بها! وهذه هي اللوحات التي رسمها هو لكم بأنامل غيره !
نلاحظ أن دانتي يرى بأن الخطيئة ذات الضرر المعنوي والتي تلمس القلب أعظم وأجل من تلك التي تلحق أضرارا مادية، ففي قلب عذابه جعل الخونة لمن أحسن إليهم، ربما لأن الإحسان يعني بأن الإنسان قدم لك شيئا من روحه وبادر بابداء الطيبة وهكذا جعل قلبه مكشوفا، فلإن تغمس فيه خنجرا فيه فإنك تخلد شعور الخزي والعار ! كما أنها الخطيئة الكبرى التي ارتكبت بحق سيدنا عيسى عليه السلام حسب الديانة المسيحية التي استخدمها دانتي في كتابته للكوميديا.
أيضا نلاحظ بأن نوع العذاب يبدو أنه نابع من احساس وتقمص للخطيئة، مثلا من يغلب عاطفته على تفكيره يعلق في عاصفة هوجاء في الجحيم، يبدو أن ذلك يشبه احساس الانسان الذي يتجاهل صوت عقله ويستسلم كليا لمشاعره! وقد نختلف في كون ذلك أمر إيجابي أو سلبي لكن دمج الرياح بالعواطف يبدو لي وكأنه نابع من انسان فكر وشعر بأن من المناسب جعل من يحدث ضررا باسم العواطف بأن يدور إلى الأبد بين أذرع الرياح العاتية!
كذلك الأمر مع مرتكبي الإنتحار، فتحولهم إلى شجرة نازفة تتغذى عليها مخلوقات خرافية ليس بالعذاب المهين بقدر ما هو حزين ومؤلم ، بعكس من غرر في النساء على سبيل المثال فعذابهم كان مهين ومؤلم !
إن صدق دانتي مع ذاته، وقدرته على خلق مساحات شاسعه لكن واضحة المعالم من حيث البداية والنهاية والتدرج بينهما يكسب عمله البعد الخالد الذي حفظه في قلب الأعمال الإنسانية الأدبية.
وبهذا أنهي الجزأ الأول من رحلة دانتي لكن الرحلة العجيبة في عالم ما بعد الموت لا تنتهي مع الجحيم، بل تستمر بعده إلى جبل المطهر، إذ يصل دانتي وفيرجل لقلب الأرض، وهنا تبدأ الرحلة العكسية للأعلى ، ومن ثغرة مستديرة خرجا ليستعيدا رؤية النجوم.
الهوامش :
لوسيفر آكل الخائنون لمن أحسنوا إليهم |
إذا هذا هو جحيم دانتي، هذه هي الخطايا مرتبة حسب درجة دنوها باعتقاده مقرونة بالعذاب الذي يشعر بأنه يليق بها! وهذه هي اللوحات التي رسمها هو لكم بأنامل غيره !
نلاحظ أن دانتي يرى بأن الخطيئة ذات الضرر المعنوي والتي تلمس القلب أعظم وأجل من تلك التي تلحق أضرارا مادية، ففي قلب عذابه جعل الخونة لمن أحسن إليهم، ربما لأن الإحسان يعني بأن الإنسان قدم لك شيئا من روحه وبادر بابداء الطيبة وهكذا جعل قلبه مكشوفا، فلإن تغمس فيه خنجرا فيه فإنك تخلد شعور الخزي والعار ! كما أنها الخطيئة الكبرى التي ارتكبت بحق سيدنا عيسى عليه السلام حسب الديانة المسيحية التي استخدمها دانتي في كتابته للكوميديا.
أيضا نلاحظ بأن نوع العذاب يبدو أنه نابع من احساس وتقمص للخطيئة، مثلا من يغلب عاطفته على تفكيره يعلق في عاصفة هوجاء في الجحيم، يبدو أن ذلك يشبه احساس الانسان الذي يتجاهل صوت عقله ويستسلم كليا لمشاعره! وقد نختلف في كون ذلك أمر إيجابي أو سلبي لكن دمج الرياح بالعواطف يبدو لي وكأنه نابع من انسان فكر وشعر بأن من المناسب جعل من يحدث ضررا باسم العواطف بأن يدور إلى الأبد بين أذرع الرياح العاتية!
كذلك الأمر مع مرتكبي الإنتحار، فتحولهم إلى شجرة نازفة تتغذى عليها مخلوقات خرافية ليس بالعذاب المهين بقدر ما هو حزين ومؤلم ، بعكس من غرر في النساء على سبيل المثال فعذابهم كان مهين ومؤلم !
إن صدق دانتي مع ذاته، وقدرته على خلق مساحات شاسعه لكن واضحة المعالم من حيث البداية والنهاية والتدرج بينهما يكسب عمله البعد الخالد الذي حفظه في قلب الأعمال الإنسانية الأدبية.
وبهذا أنهي الجزأ الأول من رحلة دانتي لكن الرحلة العجيبة في عالم ما بعد الموت لا تنتهي مع الجحيم، بل تستمر بعده إلى جبل المطهر، إذ يصل دانتي وفيرجل لقلب الأرض، وهنا تبدأ الرحلة العكسية للأعلى ، ومن ثغرة مستديرة خرجا ليستعيدا رؤية النجوم.
جبل المطهر |
الهوامش :
1- انظر : الاسطورة والتراث - السيد القمني .
2- (الكوميديا الالهية ، ص60).
3-ما بين الكوميديا الالهية ورسالة الغفران .
2- (الكوميديا الالهية ، ص60).
3-ما بين الكوميديا الالهية ورسالة الغفران .
مصادر:
http://www.naplesldm.com/cerulli.htm
http://www.alriyadh.com/1064829
http://www.oudnad.net/22/sanaa22.php
https://ar-ar.facebook.com/NationRead/posts/343105859051209
http://www.oudnad.net/22/sanaa22.php
هناك 3 تعليقات:
Good
Wow it's my first time reading and knowing the full story
Can't wait till the second part
تلخيص جميل جدا ...مشكورين على جهودكم
إرسال تعليق