الجمعة، 30 سبتمبر 2016

بيكاسو


الفن 

أعتقد أن حب الفن فطرة سليمة، فالفن هو ترجمة أو تجسيد مبدع لرحلات الانسان الداخلية والخارجية بواسطة الجسد و الصوت والأنامل، لذلك نجد أن العمل الفني قادر على التسلل والإنسياب عبر آلاف العيون، بل وقادر على الاتصال بكم هائل من الأرواح، ويمكن القول بأن "سر الفن" أنه يحمل شيئا من الفكر، والاحساس، والروح، لكن الفن سلاح ذو حدين، فاللوحة أو الأغنية التي تنسج لأغراض "تجارية" أو مجرد تقليد خاو، يمكنها أن تسمم نظرتنا لأنفسنا ولبعضنا، وتفسد قيم الجمال في المجتمع، وتساهم في خلق مجتمع بليد، لأن الفن هو مرآة لما هو مرئي وغير مرئي فينا وحولنا،  وهي قدرة يتمتع بها بعضنا، فإن كان أمينا ومخلصا لذاته، خلد هو وفنه في التاريخ، أما إن لم يكن ستتفرع الحكاية، ومن المحتمل أن نصل لسؤال "البيضة والدجاجة".

الفنان 

 التاريخ الانساني يزخر بأسماء فنانين سبقوا عصرهم، وتركوا بصمتهم، في جميع المجالات، حملوا المعاول، والفرش، و الأقلام، وافترشوا الأرض، وأطلقوا العنان لجوارحهم وقلوبهم، تسرح وتمرح، وتجسد، ومن أنواع الفنون طبعا الرسم، ومن الأسماء التي أحبها: سيلفادور دالي- فريدا-غوستاف كليمت- و بابلو بيكاسو! وفي يوم 14 ستبمر 2016، وبعد طول انتظار وأمل، زرت كلا من : المبنى الذي ولد فيه بابلو بيكاسو في مالقا و متحف بيكاسو في ملقا، وهما قريبان من بعض بحيث يمكن للزائر أن يتنقل بين الاثنان مشيا على الأقدام! 



المبنى الذي ولد فيه بيكاسو


لقد زرنا المبنى الذي ولد فيه بيكاسو قبل المتحف، وأنصح الذين ينوون زيارة المكانين أن يتبعوا نفس الترتيب وذلك لأن الأول صغير ويمكن الانتهاء منه بوقت بسيط بينما يمكنكم التجول والامعان في لوحات بيكاسو الأصلية في المتحف، وأول شيء تشاهدونه عند وصولكم للمنطقة التي تحتوي على المبنى هو حديقة يجلس فيها نصب لبيكاسو، ممسك بدفتر و أداة رسم، و لك أن تتخيل طابور السياح الذين جاؤوا لأخذ "سيلفي" مع أيقونة الرسم التكعيبي، والرائد في زمانه، وقد وقفت أنا وأختي بالطابور وظفرنا ببعض "صور السيلفي" -صورة رقم (1)- والتي ستكون إلى جانب صورة عند مدخل متحف بيكاسو الصور الوحيدة التي أخذناها، إذ أن التصوير في كلا من المبنى والمتحف ممنوع.

كما هو واضح في -الصورة رقم (2)- يقع خلف نصب بيكاسو المبنى الذي ولد فيه، وقد تحول لمتحف صغير، عند دخولك المكان تجد شباك التذاكر على اليسار - عبارة عن مكتب صغير- وأمامه باب يؤدي إلى قاعة مستطيلة صغيرة تضم بعض السكتشات التي قام بها بيكاسو، وإلى جانب الباب غرفة صغيرة جدا لا باب لها تحتوي على محل للتذكارات، ثم الدرج الذي يقابل باب الدخول الرئيسي ومنه تنتقل للدور الأول، وتجدر الاشارة إلى أن ثمن التذاكر يشمل جهازا سمعيا يعمل كمرشد سياحي، وعليه تتبعنى الأرقام، وعندما صعدنا الدرج اتجهنا لليسار حيث كانت أول غرفة تضم صورا لوالديه و ملابس بيكاسو الطفل، وتحدث الجهاز عن أم بيكاسو وقوة شخصيتها، وكيف أنه ورث ذلك عن أمه إلى جانب سمرتها.
 كذلك على جدار الغرفة من الخارج كان هنالك صورا للعائلة تضم احدى أخوات بيكاسو التي توفت بسن صغيرة، وقد تأثر بيكاسو في هذا الحدث كثيرا، وأسمى احدى بناته لاحقا على اسم اخته المتوفاة. وعند التنقل بين بقية الغرف التي كانت جميعها صغيرة - بدرجات متفاوته- تجد من ضمن المحتويات:  مائدة طعام و بعض المقتنيات الخاصة بالعائلة، وأدوات رسم تخص بيكاسو، أما عن أكثر شي أعجبني فهو رداء بيكاسو الاسباني التقليدي - the spanish cloak - بلونيه الأسود والأحمر، معروض على مينكان، وإلى جانبه صورة لبيكاسو وهو يرتديه. 



صورة رقم (1) بيكاسو وأنا


صورة رقم (2) : بيكاسو أمام البيت الذي ولد فيه

متحف بيكاسو 

في ثنايا قصر بوينا فيستا - Palacio de Buenavista - الذي بني في القرن السادس عشر في ملقا، وفي عام 2003 ، تم افتتاح متحف بيكاسو ليعرض بعض أعماله في مدينته الأم، وفي -الصورة رقم (3) - أقف أمام حائط القصر، وتحت اليافطة الخاصة بالمتحف، ولكم تمنيت لو كان التصوير مسموحا في الداخل لأشارك قرائي الأعزاء ما أعجبني من اللوحات المعروضة، لكن للأسف كما ذكرت فإن التصوير ممنوع، لكني جمعت بعض من صور اللوحات التي أحببتها بواسطة محرك البحث قوقل.




صورة رقم (3) - متحف بيكاسو

اللوحات التي أعجبتي

صورة رقم (4) امرأة مع ذراعان مرفوعتان  1936 - Pablo Picasso Woman with arms raised

أحببت الألوان والشكل الهندسي للوحة الذي يعبق بنفس بيكاسو، فهنا إمرأة ترفع يداها للأعلى، وقد ارتسم على وجهها تعبير صدمة أو الخوف؟!؟ لا أعلم لكن على ما يبدو أنها تعاني من ألم ما، وهي ترمي يداها للأعلى ربما للاستسلام أو لحث أحدهم على الانتباه ؟!



صورة رقم (5) : جاكلين جالسة 1952

جاكلين هي الزوجة الثانية لبيكاسو، وقد التقى فيها بيكاسو وهي بعمر 26 بينما هو كان 72 ،وعاش معها 11 سنة، ورسم خلال هذه الفترة فوق 400 لوحة لها! وهو عدد يفوق أي عدد رسمات لأي من حبيبات بيكاسو الكثيرات - نسبيا- كما أنها كانت الانسانة التي شاركته الحياة حتى وفاته في1973، وبعدها أصيبت بالاكتئاب وقد أطلقت على نفسها النار وهي في سن 59. 





صورة رقم (6): أولغا خوخلوفا ترتدي المانتيلا 1917


أولغا كانت زوجة بيكاسو الأولى، و كانت راقصة باليه روسية/أوكرانية، ولعل اسلوب بيكاسو التكعيبي المشهور غائب عن اللوحة، لكني أرى تلك الخطوط الحادة والتي تحمل روح بيكاسو باعتقادي في عيونها.




صورة رقم (7) : فارس مع سيف 1972

التفاصيل والألوان في اللوحة أشعرتني بأني أنظر لمحارب من الهنود الحمر أو من الشعوب الأصلية، لذلك علقت في ذاكرتي.

أخيرا أشجع من ينوي الذهاب على التوقف في مكتبة/محل التذكارات في المتحف، لاحتوائه على كتب وتذكارات غاية في الروعة. 


السبت، 24 سبتمبر 2016

الرندة : (عش الصقور) - أسبانيا


تعتبر رندة - Ronda- أحد أقدم المدن في آوربا، إذ تذهب المصادر إلى أن البشر قد سكنوها منذ أكثر من 30,000 سنة، وعلى امتداد هذا الزمن تشربت العديد من الثقافات، مما أضاف لها الشيء الكثير، سواء من ناحية العمارة أو الهندسة أوالفن ...إلخ، وأول هذه الشعوب تعود للعصر الحجري، ويسمون بالكلت CELTAE، وقد أطلقوا على المنطقة اسم (أروندا) في القرن السادس قبل الميلاد، ويمكن للسواح أن يروا بأنفسهم أحد الكهوف التي سكنها الكلت واسمه ( كهف الحوض) -  CUEVA DE LA PILETA، و أن يروا الرسومات على حوائط الكهف. ومن الشعوب التي سكنت رندة كذلك كانوا الروم، ويقال بأن القيصر يوليوس هو من أطلق على المنطقة اسمها الحالي، كما أنهم بنوا (الجسر الروماني) وهو أحد الجسور الثلاث الشهيره في رندة. أما بالنسبة للثقافة الاسلامية نجد أن مدينة رندة أنجبت أسماء لامعة في التاريخ الاسلامي، فهي مسقط رأس عباس بن فرناس، وأبو البقاء الرندي، صاحب الأبيات الشهيرة القائلة: 

                          لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ       فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسان
                هي الأيامُ كما شاهدتها دُولٌ       مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ 

                 
كذلك العلامة الصوفي ابن عباد الرندي، وإلى اليوم تقف (الحمامات العربية) و (الجسر العربي- أقدم الجسور الثلاث الشهيرة في رندة)  و (مئذنة مسجد -تم تحويله لجزء من كنيسة سانتا ماريا لا ميور)  كشاهد على الثقافة الاسلامية التي سادت رندة في فترة ما. كذلك أذكر بأن رندة تضررت كثيرا اثر غزو نابليون، وانخفض عدد سكانها من 15600 إلى 5000 خلال 3 سنوات فقط! لكن المدينة الجميلة، ذات الطبيعة الخلابة، والواقعة على منطقة جبلية ترتفع حولي 750 متر فوق الماء، لا تصمد وحسب بل ترسل سحرها عبر الأفق والتاريخ، ليقع في حبها أحد أشهر الأدباء في التاريخ - من المفضلين لدي شخصيا- إلا وهو إرنست همينغواي، إذ مكث فيها مرات عديدة، وفي روايته (الشمس لاتزال تشرق) استخدم همينغواي أحد أشهر مصارعي الثيران في روندا وأسبانيا بشكل عام كشخصية في روايته، كما أن بداية أحداث روايته ( لمن تقرع الأجراس) تبدأ في روندا تحديدا! كذلك يقال بأنه أمضى آخر عيد ميلاد له في ربوعها، وأن روحهه سكنتها للأبد.

شخصيا زرت رندة يوم السبت الموافق 17/9/2016، وتجولت فيها منذ الساعة الحادية عشر صباحا وحتى السابعة مساءا - تقريبا، بطبيعة الحال لم يسعفني الوقت ولا الطاقة لأن أزور كل الأمكان المشهورة فيها لكن وبمساعدة ((أفراد عائلتي الرائعين )) زرت كل من : 

1- الجسر الجديد وممر ايل تاجو الضيق.
2-قصر مون دراغون.
3-كنيسة سانتا ماريا لا ميور.
4- شارع كاريرا اسبينال - المعروف أيضا باسم (الكرة في الشارع) 
5- النصب التذكاري لإرنست همنغواي.

وكان ضمن الخطة رؤية (الحمامات العربية) الشهيرة إلا أن السيدة (غوغل مابس- GOOGLE MAPS) أنبأتنا بخبر كونها مغلقة يومي السبت والأحد للأسف! كذلك تجدر الإشارة إلى أنه تقع في رندة أكبر حلبة مصارعة ثيران في كل أسبانيا، وقد مررنا بها لكني شخصيا أكره الألعاب المبنية على تعذيب الأرواح، سواء كانت بشر أو حيوانات، ولم يبدي أحد من أفراد عائلتي اهتماما كبيرا في دخول الحلبة لذا اكتفينا بالنظر لها من بعيد . 

1- الجسر الجديد وممر ايل تاجو الضيق: 

يذكر موقع rondatoday أن الجسر الجديد والممر الضيق في الأسفل "قد يصبحا أحد عجائب الدنيا السبع في العالم" *1 ومن تجربتي الشخصية أعتقد أنه ربما يستحقان ذلك! وتجدر الاشاة إلى أن تسميته "بالجسر الجديد" نسبة لوجود جسرين شهيرين قبله كما ذكرت وهما (الروماني والعربي) لكن الجسر الجديد أسس قبل 9000 سنة، ما يعني أنه تسميته "بالجديد" مضلل إلى حد ما. ويقع الجسر فوق الممر الضيق المسمى ايل تاجو أي "الجرح العميق" ، وقد نشأ هذا "الجرح" بسبب عوامل التعرية المتمثلة بالتدفق السريع لنهر غاداليفين، لكن في زيارتي لم أرى نهرا بل كمية كبيرة من الحشائش والأشجار على مد النظر، وبارتفاع شاهق! ولربما تساعدكم الصورة -رقم (1)- على تخيل الأمر. أيضا أذكر أن هنالك غرفة تحت الجسر ولكي تدخلها عليك أن تقطع تذكرة - سعر رمزي- وتتمتع بمناظر الوادي الخلابة، فوق ارتفاع 120 متر، وقد كانت تستخدم الغرفة كسجن إلا إنها أصبحت اليوم "متحف صغير"، ومن خلال الصور (4-5) يمكنكم تصور شعور من يقف في هذا المكان، فإذا كنت ممن يعانون من فوبيا الارتفاعات أنصح بالاكتفاء في النظر للجسر من بعيد، لكني شخصا لا أعاني من ذلك واستمتعت كثيرا في التجربة. 



رقم (1) : الجسر الجديد

رقم (2) : الغرفة المعلقة تحت الجسر
رقم (3) : باب الغرفة تحت الجسر


رقم (4) حفرة في الجسر تبين ارتفاع الجسر
رقم (5) : المنظر قبل الدخول للغرفة المعلقة في الجسر

2- قصر مون دراغون : 

شيد في القرن الثالث عشر الميلادي ليكون منزلا للملك الأندلسي أبو مالك ابن أبو الحسن*2 - ابن ملك المغرب آنذاك، ويمكن ملاحظة فن العمارة الإسلامي في الأقواس والعواميد والحدائق الخاصة بالقصر، اليوم تم تحويل القصر لمتحف يحكي تاريخ رندة، ويحتوي على العديد من القطع الأثرية والأعمال التوضيحية التي تحاكي تاريخها، منذ العصر الحجري، فهنالك تماثيل تحاكي عادات وتقاليد شعب الكلت، وأعمالهم اليومية، كما أن هنالك رفاة وتوابيت وحلي وغيرها من الآثار. شخصيا استمتعت بالقصر أكثر من المعروضات، ووجدت بأن أجمل مافيه هي الحدائق التي بنيت على حافة الجبل (صور 6-9) والأقواس (صور رقم 10،12)، كذلك أذكر أن المكان يستضيف عدة مناسبات واحتفالات، منها الأعراس، وقد صادفنا عروسا كانت تستعد لدخول القصر حتى يتم التقاط صورها في أجمل المعالم الأثرية في رندة (صورة رقم11).
أذكر بأني لم أحجز تذاكر مسبقا إلا أن المكان لم يكن مكتظا بالسواح من الأساس، فتم شراء التذاكر والدخول في نفس الوقت، وكان سعر التذاكر رمزيا.



رقم  (6) : حدائق قصر دراغون
رقم (7) : حدائق قصر دراغون

رقم (8) : حدائق قصر دراغون




رقم (9) : المنظر الذي تطل عليه حدائق القصر


رقم (10) : الأقواس في القصر

رقم (12) : الأقواس في القصر



رقم (11) : زفاف في قصر دراغون - روندا

3- كنيسة سانتا ماريا لا ميور:

في الأصل كانت الكنيسة مسجدا بني في القرن الرابع عشر، وإلى الآن يظل المحراب (صورة رقم 13)*3 و المئذنة (صورة رقم 14) والأقواس والأعمدة، دليلا على أن ذلك المبنى  كان مسجدا ،لكن، وكالعديد من الكنائس في اسبانيا، تم نسج الطابع المسيحي على المبنى، وتغيير ملامحه حتى يعتنق أرواح المصلين المسيحيين بدلا من نظرائهم المسلمين، وأعتقد أنه كل من يتمتع بروح تتطلع للجمال ممكن أن يعتنق المكان روحه كذلك، فالمكان الجامع لفن العمارة الاسلامي و اللوحات الفنية المسيحية: كالأقواس العربية، والمذابح المذهبة، واللوحات الخاصة بمريم العذراء، والآيات القرآنية المنقوشة على المحراب...إلخ لا أعتقد أنها تهتم وستكون سخية في العطاء مع من يقدر بعدها الجمالي والروحي. 




صورة رقم (13) : المحراب


صورة رقم  (14) : المأذنة على اليسار أصبحت تحمل جرس الكنيسة



صورة رقم (15): مريم العذراء محاطة بالذهب

صورة رقم (16) : المذبح



4- شارع كاريرا اسبينال - المعروف أيضا باسم (الكرة في الشارع):

كل ما يسعني قوله عن هذا الشارع هو نفس الوصف الذي تم تعريفي عليه وهو : (هذا الشارع لا ينتهي!) فعلا شارع طويل جدا، لم أتمكن من اجتيازه كله، فيه محلات للتسوق، وكافيهات، أكثر شيء أعجبني هو محلات الأحذية، بسبب تشكيلتهم الكبيرة والمريحة، أيضا توقفنا في أحد الكافيهات، وشربنا عصائر ممزوجة بالثلج المبروش- كانت الشمس حارقة لكن الهواء عليل- شخصيا شربت عصير (التوت) وفي (الصورة رقم 17) يبدو اسم الكافيه واضحا. 


صورة رقم (17) : عصير التوت



5- النصب التذكاري لإرنست همنغواي:

قرأت لإرنست روايتان، ولخصت أحدهما على هذه المدونة - تلخيص العجوز والسمكة- ، كما اني قرأت عن حياته وشاهدت أفلاما وثائقية عنها، وعندما علمت بأنه أوصى بأن تنثر رفاته في رندا تحمست أكثر لرؤيتها، فهذا الانسان الذي صنع اسما له في التاريخ، اختار أن تكون رندا المحطة الأخيرة لروحه، وفعلا تم له ما يريد، ولست وحدي التي تأثرت في هذا الأمر، فاعجاب ارنست في هذه المدينة جعل صيتها يزداد، وكما أشرت سابقا فقد ذكرها في رواياته، مما جعل المدينة تخلص له، وفي عام 2015 تم عمل نصب تذكاري له، كتب عليه ("الانسان لا ينتمي إلى المكان الذي يولد به، بل إلى المكان الذي يقرر أن يموت فيه" ورندة قد تم اختيارها، لقد كان يريد أن يكون "رنديا" إلى الأبد...)*4 و ها أنا أختار أن أضع صورتي مع النصب التذكاري لهنغواي في (عش الصقور) وهو الاسم المتعارف عليه لها*5 ، والذي أعتقد بأنه مناسب لأن يكون الملاذ الأخير لروح ارنست التي تحاكي في نظري روح الصقر.


صورة رقم (18) : النصب التذكاري لارنست همنغواي

أخيرا أترككم مع بعض الصور لرندة التي استمتعت بها، وأحب أن أشكر كل أفراد أسرتي التي رافقتني في الرحلة، على كل الضحكات والذكريات الجميلة والتي أضافت لجمال المكان وسحره، فكل شيء يزول في هذه الدنيا، لا شيء باق إلى الأبد، لكن الذكريات الجملية، الممزوجة بعفوية اللحظة، يسهل استرجاعها دوما، وعليه لن تخبو طول العمر. 


صورة رقم (19): أسفل روندا

صورة رقم (20) : شجرة

صورة رقم (21) : سنترو باراكويل

صورة رقم (22) : طبيعة 

صورة رقم (23): نصب

صورة رقم (24) : أكبر حلبة مصارعة ثيران في أسبانيا


1* http://arabic.rondatoday.com/ronda-new-bridge.php

2*http://www.alandalucy.com/single-post/2016/05/01/%D9%82%D8%B5%D8%B1-%D9%85%D9%88%D9%86%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%BA%D9%88%D9%86-
%D9%81%D9%8A-%D8%B1%D9%86%D8%AF%D8%A9
3*- ملاحظة المحراب موجود في محل بيع التذاكر قبل الدخول للكنيسة-

4*  http://www.wellesnet.com/orson-welles-monument-unveiled-in-ronda-spain-bullring/
5*http://www.andalucia.com/ronda/history.htm
http://arabic.rondatoday.com/ronda-tourist-activities.php
http://www.rondatoday.com/things-to-do-in-ronda-during-your-stay/
http://arabic.rondatoday.com/ronda-tourist-activities.php
http://www.andalucia.com/ronda/home.htm
http://arabic.rondatoday.com/
https://en.wikipedia.org/wiki/Ronda
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%84%D9%85%D9%86_%D8%AA%D9%82%D8%B1%D8%B9_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D8%B3
https://www.tripadvisor.com/Travel-g265784-c146216/Ronda:Spain:Rondas.Main.Shopping.Street.html

الأربعاء، 7 سبتمبر 2016

كيف أصبحت غبيا ! مراجعة رواية






قرأت هذه الرواية قبل سنتين تقريبا، ولقد استمتعت بها كثيرا، إلى درجة اني ضحكت أثناء القراءة، وذلك أمر نادر الحدوث! هي رواية "خفيفة" على الروح، و على الحمل أيضا، إذ ان النسخة العربية تحتوي على 158 صفحة فقط، لذلك هي مناسبة للقراء الذين يحملون كتبهم معهم لتمضية " وقت الانتظار" سواء انتظار موعد في صالون نسائي أو طبيب أو بيطري ...الخ، وتجعلك تنفصل عن العالم قليلا. يمكن القول بأن الرواية فلسفية ساخرة، وقد أصدرت عام 2001 بالفرنسة، وعام 2013 بالعربية، للكاتب مارتن بيج. 

أريد أن أصبح غبيا !!!!!! 

الرواية تحكي قصة الشاب أنطوان، صاحب الضمير الصاحي، والعقل اليقظ، والوعي العميق، كل خطوة في حياته هي خطوة محسوبة بدقة، على سبيل المثال يتحاشى أنطوان شراء سلعة ما على أرفف السوق المحلي،لأنه يعلم بأن المصنع المنتج لتلك السلعة يستخدم الأطفال كعمالة! فبعكس غالبية الناس، أنطوان يقرأ عن كل شيء قبل أن يشتريه، ويهتم بأن لا يساهم ولو بشيء بسيط في تعاسة شخص ما على هذه الكرة الأرضية! وقس على ذلك العديد من المواقف التي أدت إلى أن تصبح حياة أنطوان معقدة وصعبة! لذا قرر أن يقيم وضعه، وتوصل إلى أن "ذكاءه" هو سبب التعقيد و بالتالي تعاسته! وهنا تبدأ الرواية في أن تصبح مضحكة، لأن أنطوان يحاول أن "يتخلص" من ذكائه بطرق "ذكية" ! فيلجأ للكتب، ويقارن ويحلل ... إلخ ويفشل ثم يعيد الكرة، إلى أن تمكن أخيرا من إيجاد طريقة ! وقد أصبح سعيدا جدا من بعدها، وتغيرت حياته، أصبح "دماغه خفيفا" لا يهتم، يشاهد التلفاز و لا يفكر، يمضي ساعات وساعات لا يستفيد منها في عمل مفيد واحد، ولا يشعر بأي وخز للضمير، يأكل، يشرب، ينام ويلهو! هذه هي حياة أنطوان الجديدة! مرتاح البال والخاطر، لكن الأحداث تأخذ منحى آخر وتنتهي بطريقة تبين أهمية الأصدقاء في حياة الإنسان، وأهمية أن يكون الإنسان نفسه ! 

العبرة !

أن تكون متصلا في ذاتك، ومخلصا لما تؤمن به، يكلف كثيرا في عالمنا الحالي، تخيل نفسك تقف في طابور طويل لتحصل على سلعة معينة بينما هنالك طريق مختصرعلى حساب مبادئك، وكل من حولك يستخدم هذا الطريق المختصر، ويصل مبكرا للبيت، ويحصل على قسط كاف من الراحة بينما أنت تصل للبيت متأخرا، وعليك أن تستيقظ غدا صباحا لأن أمامك "طريق طويل صعب آخر" !!! لذا عملية "المسايرة" هي التذكرة الرائجة في التداول بيننا في المجتمعات الحالية، أما المختلف، يتم "تخجيله" باختلافه، أو حتى اقصاءه، كي لا يزعج "النوم الجماعي"! وتختلف درجة تقبل المختلف من مجتمع إلى آخر، ففي المجتمعات المفتوحة، نجد بأن هنالك تعزيزا لقيمة (الفرد) ، وقيم الحرية، وهكذا نجد أن حتى المختلف لديه فرصة بأن يلتقي بمن هو شبيه له، أما المجتمعات المغلقة فهي تميل إلى تعزيز قيمة (الجماعة)، وترويض الفرد في قوالب نمطية جاهزة، تضمن له "السعادة"! إذا هي جدلية (الفرد والمجتمع) مع القاء الضوء على مسألة الثقة في النفس، وبعث الأمل في تلك النفوس الوحيدة، التي تشعر "باغتراب المثقف"، هنالك أمل بأن تجد لنفسك مكانا تشعر بأنك تنتمي له، مكان تكون فيه نفسك، تفهمهم ويفهمونك، إياك عن تتخلى عن ذاتك في سبيل (البلادة المجتعية) هم على خطأ وإن بدوا سعيدين، وأنت صاحب القيمة الحقيقية وإن بدوت تعيسا، وبكلمات الإمام علي رضي الله عنه " لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه".