الجمعة، 27 نوفمبر 2015

جزيرة ديلوس

يا أرض احكي لي، يا معالم وأطلال أنيري بصيرتي، ما الانسان؟ كيف عاش؟  ماهذا الجمال الذي خلفه نظيري الزمني؟ ما معاناته؟ كيف فكر؟ ما هي مخاوفه وآمله؟هل أنا محظوظة في زماني أم إن من عاش عليك قبلي كان الأوفر حظا؟ يا أرض سأستمع لصوتك، سأستخدم كل حواسي وروحي لأدرك فلا تبخلي علي ولاقيني بمنتصف الطريق واسردي لي قصصهم ، وافيني بعبرهم، فكما يقولون حياة واحدة لا تكفي، وهم وإن لم ألتقي بهم، أحن لمن كان قبلي، لربما كان ذلك فطرة أو وفاء أو حاجة أو رغبة ، لا أدري، لكني هنا لأسمع ، فيا أرض احكي لي ، يا معالم وأطلال أنيري بصيرتي .

جزيرة ديلوس

تعتبر جزيرة ديلوس أحد مواقع التراث العالمية، والمحمية بموجب اتفاقية حماية التراث العالمي التابعة لليونيسكو، أي أنها إرث حضاري بشري، نشترك فيه جميعا. وتقع الجزيرة على بعد 4 كيلومترات من جزيرة ميكانوس، وتستغرق رحلة الذهاب والعودة من ميكانوس لديلوس بواسطة العبارة حوالي الساعة.
حظيت بزيارتها في تاريخ 25-5-2015 ، وشعرت حينها وكأني في حلم أو إني نجحت في الهروب من الواقع وانتهيت في حقبة تاريخة.

ديلوس و أبولو و أرتميس : الأسطورة


تقول الأسطورة أن زيوس - أب الآلهة في الميثولوجيا الإغريقية- والمعروف بمغامراته الغرامية  وقع في حب ليتو - من عرق الجبابرة- وكانت نتيجة العلاقة أن ليتو حملت بتوأم! لكن زيوس في هذه الفترة تزوج هيرا  وحين علمت بحمل ليتو غضبت وشعرت بالخيانة، ولعنت ليتو كي لا تتمكن من الولادة على أي يابسة على وجه الأرض ! وهكذا جابت ليتو الأرض، وعندما أضناها المخاض لم يساعدها الناس، وطردوها من أراضيهم خوفا من غضب هيرا، عندها حن زيوس عليها وطلب من أخيه بوسيدن أن يزيل الماء عن قطعة من الأرض كانت تطفو على سطح الماء، ليلتف حول لعنة حيرا، لأن ديلوس لم تكن أرضا بالمعنى التقليدي، وهكذا وجدت جزيرة ديلوس، وعليها ولدت ليتو طفليها : أبولو - إله الشمس والغناء و الشعر- وأرتميس- إلهة القمر والصيد والحيوانات البرية والعذرية- وبينما تم نقل آرتميس عند ولادتها لجزيرة أخرى، كرست ديلوس لأبولو، وأصبح الإله الحامي للجزيرة، ونقل الناس كل جثث موتاهم لجزيرة قريبة، و أصبحوا لا يدفنون أي ميت فيها لإرتباط الظلام بالموت بينما أبولو مرتبط بالنور، كذلك وتكريما لمولده يتم نقل النساء الحوامل أيضا إلى جزيرة مجاورة لتتم الولادة فيها، ليكون أبولو الطفل الوحيد الذي عرفته الجزيرة. 

مرفق رقم 1 ولادة أبولو وأرتميس على جزيرة ديلوس

الأرض والحياة 

بعد زيارة عدد من البيوت، والتجول في طرقات المدينة القديمة، أدركت أن الناس الذين عاشوا فيها لا يختلفون كثيرا عنا، ومن خلال التفاصيل يمكنك رؤية العقل والجنون، المرأة والرجل، العمل ، التجارة، الدين، اللهو...إلخ ومن خلال النقاط التالية يمكن رسم صورة حية للمدينة في ذلك الوقت:

-  الطرق ونظام الصرف الصحي : كانت الطرق صغيرة المساحة وتمر من خلال البيوت والمحلات، وذلك لحماية السكان من الرياح، كما كانت هندسة الطرق من أعلى إلى أسفل وذلك بسبب نظام الصرف الصحي المبني تحتها ليتم التخلص منه بسهولة.

- المنازل: كحال منازل اليوم، هنالك المتواضع، وهنالك الفخم ، فإن كان صاحب المنزل غنيا تجد بأن الأبواب مصنوعة من الرخام، ومزينة بتماثيل وفنون الفسيفساء مثل المنزل المبين في الصورة - مرفق رقم 2- إذ تعد هذه اللوحة من الفسيفساء التي تزين أرضية هذا المنزل إشارة على أن صاحب المنزل كان ذو شأن في تلك الحقبة، ويعد هذا المنزل معلما في الجزيرة معروف باسم (بيت الدلافين). 

مرفق رقم 2 : منزل الدلافين


كذلك من علامات كون الشخص غنيا هو وجود تمثال عند الباب أو في وسط المنزل بحيث مجرد فتح الباب يكون مرئيا للمارة، مثل منزل السيدة كيلوباترا - مرفق رقم 3- وهي بالطبع ليست كيلوباترا الشهيرة، لكن ديلوس كانت تعد من المناطق التجارية الشهيرة وبالتالي أصبح هنالك تبادل للثقافات، واستقرت بعض الجاليات في ديلوس: ومن مؤشرات الانفتاح الثقافي لديلوس نجد إلى جانب المعابد المخصصة لأبولو يوجد معبد لإلهة مصرية  وهو معبد إيزيس - مرفق رقم 4- .

مرفق رقم 3 منزل السيدة كيلوباترا


مرفق رقم 4 معبد إيزيس


- التسلية: من الأمور التي جعلتني أدرك إلى أي حد نحن متشابهون، وأضحكتني الصدمة، هي أن بعض منازل الأغنياء تحتوي غرفة مخصصة لجلسات الرجال فقط - غير مسموح للسيدات لكن مسموح للخادمات والراقصات - ويشربون فيها الخمر المخلوط بالماء! - مرفق رقم 5 طبعا الغرفة تشبه "الديوانية" في ثقافتنا مع التحفظ على الفعاليات. كذلك عرجنا على المسرح الذي بني عام 300 قبل الميلاد وكان يسع 5500 متفرج -مرفق 6 -، إذ كان ضحما جدا ما أجبرني على احترام عمال ومهندسي تلك الحقبة -طبعا العمال كانوا رقيق-  ونجد أن في المسرح أيضا هنالك أماكن مخصصة لعلية القوم -مرفق رقم 7 - . كذلك يوجد على الجزيرة مضمار لألعاب القوة والسباقات مخصص للرجال فقط !


مرفق 5 : "ديوانية"  في أحد البيوت الغنية 

مرفق رقم 6: المسرح

مرفق رقم 7 : مقاعد علية القوم

-  التجارة والحرف: كما سبق وأن ذكرت فإن ديلوس كانت تعد مركزا تجاريا، وذلك جعلها عامرة بجميع أنواع المهن، وقد زرت محلات العطارة واللحام والسماك، وقالت لنا المرشدة السياحية أن نمعن النظر في طاولة السماك، إذ كانت تحتوي على  مجرى على شكل منحدر يؤدي إلى فتحة، وذلك لتسهيل التخلص من الماء والدم مرفق رقم -8- كما كان واضحا عليها أثر السكين. أيضا ممرنا بساحات للتبادل التجاري " السوق" وكان اسمها أغورا Agora .

مرفق رقم 8 : طاولة السماك


معبد أبولو والأسود الفينيقية:  في الطريق إلى معبد أبولو كانت هنالك قواعد رخامية و أشارت المرشدة إلى أن هذه القواعد كانت تحمل تماثيل لآلهة وعلية القوم، بعض منها كان من ذهب والآخر من معدن - حسب المكانة- وقد سرقت جميعا من قبل القراصة، وبعد الممر نصل لقاعدة ضخمة المفترض لتمثال ضخم للإله أبولو - مرفق 8 - لكنه أيضا تمت سرقته من قبل القراصنة، وفي النهاية وصلنا للمعبد الذي لم يبق منه سوى أطلال. أما المعلم الأكثر شهرة في الجزيرة هي " أسود ديلوس" أو الأسود الفينيقية -مرفق رقم 9- وكانت مهداة للإله أبولو. 

مرفق رقم 8 : قاعدة تمثال أبولو



مرفق رقم 9 : الأسود الفينيقية


كما هو واضح فإن الناس هم الناس، والفرق بيننا ليس بكبير، فإلى جانب ما ذكرت نجد على الجزيرة وما بين البيوت بعض العلامات والإشارات التي يستخدمها السكان للحماية من العيون الشريرة، وهو شيء لايزال الانسان يؤمن به، ويرتدي أشياء يعتقد أنها تقيه من العين. 
أخيرا أذكر أن الجزيرة غير مأهولة تماما، ولا يوجد عليها سوى الآثار ومتحف وقوات اليونيسكو، وعدد كبير من السحالي الصغيرة والبعوض وقد أتى أصحاب الجزيرة بالسحالي للقضاء على البعوض لكن يبدو أن السحالي فشلت في مهمتها، لذلك أنصح كل من يخطط للزيارة أن يردتدي ملابس تغطي كامل جسده وتحمي وجهه.

صورة تجمعي بأسود ديلوس



الأربعاء، 25 نوفمبر 2015

كوخ العم توم - رواية




أنا الأفضل أنا الأكمل أنا المفضل عند الله ، والدليل : ميلادي! لماذا أنت مستغرب؟ علمك، قوتك، أخلاقك، جمالك، مساعدتك للبشرية... !!! لا تساوي شيء أمام حسبي ونسبي وعرقي وبشرتي! باسمهما أخضعت العالم لقرون، فأجلدهم وأقول هذا حقي، أحرقهم وأقول هذا حقي، أبيع وأشتري فيهم، وأربطهم كالدواب وأفصل الأبناء عن أمهم لأنه حقي حقي حقي!!!! ومستعد للدفاع عن حقي ومن يمسه سأثور بوجهه ! بالطبع لن أخجل!! ماذا تقول؟ ولماذا أخجل؟! أنا لا أفهم! لماذا تريد أن تجردني من حقي ؟! آه يا أحمق ثم آه... للقدير سأشكو وأدعي: اللهم زل الغمامة عن أعينهم ليدركوا حقي الطبيعي  اللهم لا تجبرني على قتالهم! ليس ذنبي إن ولدوا أقل مني! آه إن قلبي يعتصر ألما ، إن دموعي تنحدر! آه ساعدهم يا إلهي ليدركوا، أنا الأفضل أنا الأكمل والدليل: ميلادي! 






 رواية الخزي الإنساني

يقال بأن مهمة الأدب الحقيقية هي أن يعكس صورة المجتمع بصدق لأفراده، بوضوح وبعمق، يرسل لنظامك العصبي رسالات تجبرك على مواجهة ذاتك المتخفية في ثنايا الروتين اليومي للحياة، ومن الأعمال التي أدت هذه الرسالة وخلدت كانت رواية "كوخ العم توم" للكاتبة هيرت ستو ، إذ أنها تغلغلت في المجتمع الأمريكي في أوج العبودية الأمريكية ، ويقال بأنها كانت سببا في اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية  ، لكن لا يمكن القطع في هذه المسائل حتى باستخدام مسوحات الرأي ، لأن أثر الكلمة غير قابل للقياس، وأحيانا حتى القارئ نفسه لا يدرك ذلك الأثر، ولربما كانت الكلمات تحرر شيء في داخل الإنسان أو توجد شيء لم يكن، لكن الأكيد أن لها قيمة وترجمات لا تحصى.

القلب والأمل
كأي رواية، لها أبطال: الرئيسي هو العم توم، لكن البطلين الحقيقين هما خيطان نسجت من خلالهما الرواية معروفان باسم : القلب والأمل، فضربة بعد الضربة يتلقاها العم توم، إلى أن يتحول قلبه إلى شظايا، لكن روحه لا تنفك تزوده بالبلسم ، بالأمل ، وهكذا غدت حياته ألم مزمن تعود عليه وأصبح جزء من هويته! هذه هي مأساة العم توم الحقيقية، مأساة قلب ينبض رغم الجروح، قلب أقوى من أن يهزمه نظام رق، ويأبى إلا أن يموت وهو يحتضن الألم، وكأنه ينتظر منه موقفا مشرفا على وفائه، هذا كان توم، وهذه هي قصته:

العم توم

 وجد توم في الزمان والمكان اللذان أجبراه على أن يصبح العم توم! فمصيره تحدد ببساطة بسبب لون بشرته ضمن النظام الذي أوجدته غفلة الضمير الإنساني ، ولم يتعود توم على أن يكون ملكا لأحد فحسب بل كان وفيا، وكان لا يدخر مجهودا في خدمة سيده وسيدته اللذان كانا - وبالمقارنة مع السواد الأعظم - من أفضل الأسياد! إلا أن النظام أقوى، والسيد الأبيض كان السيد الأبيض، فعندما حلت أزمة مالية على السيد شبلي - مالك توم- قرر أن يبيع الأخير بالرغم من تقدم سنه، والعشرة الطويلة، ومعارضة زوجته وابنه، خضع السيد شبلي لإغراء المال ، وباع توم ، وفطر قلب زوجة توم وزوجته وابنه الذي لحق بتوم وبصدق الطفوله المجروح وعده بأنه سيخلصه يوما ما من أسر العبودية ، ويهديه الأمل بقطعة نقود معدنية ليعلقها على صدره وتبدأ مع هذا الحدث الرحلة، وترى توم الأبي، قوي البنية، الوقور، يتحمل بصبر، ولا يتخلى عن إيمانه، بينما زوجته وبعد أن طرقت جميع الأبواب طلبت من سيدتها أن تسمح لها بأن تؤجرها لتعمل وتجمع ما يكفي لإعتاق رقبة زوجها، فهنا كد وعمل وهناك كد وعمل، ولأجل ماذا؟ لأجل أن يصبح سيد نفسه في عالم ينظر له على أنه ملكية خاصة.

زوجة توم تكوي له قميصه بعد تلقيهما نبأ بيعه 


الطفلة الشقراء والخيارات الأخرى في الحياة


وعلى السرير تنام الطفلة الشقراء التي كانت الشيء الوحيد الذي يهون على توم فاجعته، وتعرف السر في المشهد بعد أن تتعلق بها ، فإيفا كانت لها هالة ملائكية، و تجعلها الرواية رمزا للدين المسيحي، فلا يرتاح توم إلا عندما تكون معه، تقرأ له الكتاب المقدس وتعلمه، تسأل وتجاوب، وتحاور، لكن الروايه إن خطفت قلبك في موضع، تحرقه في موضع آخر! فلا سكينة لتوم ، ولا هدوء واستقرار، وإن رضي بالقليل فإن القليل يتسرب من بين أصابعه، لكنه لم يفقد الأمل ولم يفقد إيمانه، وظل مخلصا لما اعتقده حبا، ووفيا لما ظنه عملا،  وفي المقابل تضافر عليه العالم ، وأثر على ميزان الحب والوفاء في حياته، فمالت كفة على أخرى، وانتصر العطاء.

أما بالنسبة لبقية الشخصيات فنجد أن الرواية زاخرة بمختلف الخيارات، فمن الرقيق من فقد إيمانه بعد أن ذاق طعم الظلم والذل بكل نكهاته الأرضية، ونجد الأم التي رمت نفسها في التهلكة لإنقاذ فلذة كبدها ، وتطير من السعادة ظنا منها أنها وصلت إلى بر الأمان، و تجد من ثار وبالسلاح هرب واسترد حقه بالقوة، ولكل اختيار مسار، ولكل مسار ثمن، كما أن للحظ دور، وهي فكرة غير محببة لدى الإنسان لأن الحظ عشوائي بينما العدالة منظمه، لكنه عامل من عوامل الحياة، وفي الرواية.


إيفا - الطفلة الشقراء- وتوم




دعوة لقراءة العم توم 


مع العم توم لم أشأ أن أورد تفاصيل الرواية، لأني لا أريد أن أحرم أحدا من هذه التجربة، فإن عشت ضمن هذا العالم ستدرك أن الإنسانية شيء غريب! اليوم ننكر بعضا باسم العرق، غدا باسم الأيدلوجيا، والذي يليه باسم الدين، وهكذا ننتزع الصفة الآدمية من بعضنا البعض دائما باسم شيء ما، ودائما يكون هنالك تفسير مقبول ظاهريا لكن من يمعن التفكير أو حتى يتأمل يدرك أن باطنه مرض!  ولا جماعة معصومة أو محصنة ضد العنصرية، فإذا لم تكن في قلوبنا رحمة وفي عقولنا شيء من وعي، فلنقف  أمام التاريخ ليتجلى، لنرى ولنعش التجربة من خلال الأرواح والقصص التي عانت، لندرك الألم من خلالهم، لنتواضع أمامهم، لنعي بأن كلنا من آدم وآدم من تراب، وأن ظلم أخيك، لهو ظلم لنفسك.

نسخة رواية العم توم التي قرأتها ترجمة : ميخائيل حداد، مراجعة: ضياء قبيسي، الناشر: الأهلية للنشر والتوزيع . 




السبت، 21 نوفمبر 2015

تخليص الإبريز في تلخيص باريز







  نعالج أمراضنا وألامنا بالكي، ونبتر أصابعنا السليمة لنستبدلها بأصابع  بلاستيكية ملونة نشير  بها إلى بعضنا مقرونة بابتسامة صفراء أحيانا أو بنظرات البلهاء أحيانا، نراقب ألعاب خشبية في الأفق، ولا نعلم إن كانت حقيقة أم سراب، فتتجمع الدموع في المقل وتتجمد وتغدو غشاوة، ومع مرورالوقت نظن أن هذا هو شكل الحياة، هذه هي الصورة الحقيقية، وتخترق صفوفنا أصوات، خافته، بعضها فصيحة اللسان، عذبة البيان، وبعضها بلغة لا نفهمها، وكالقناديل تبحر بيننا، تلامس من تلامس، وتمضي، ونظل نحن من بعدها أما في حيرة أو برؤية مختلفة .

صوت قنديل من الماضي




من الأصوات القديمة التي حضرتني إزاء تفجيرات باريس كان الجيل الأول من المفكرين السياسيين المسلمين، وتحديدا الشيخ رفاعة رفعت الطهطاوي، كيف لا؟! وهو مؤلف (تخليص الإبريز في تلخيص باريز)؟ فمن خلال معالجة كتابه نحصل على وجهة نظر تاريخة فيما يخص الإسلام وباريس، ومن جهة أخرى يعد هذا الكتاب من الإرث التاريخي الذي بدأت معه "صدمة الحضاره" ، والانقسام الداخلي في الوعي الإسلامي و العربي تجاه نفسه والآخر، وعليه يمكننا تتبع ذلك الجزء في أنفسنا، ونفهم كيفية تكوينه، وما الذي ظل مزروعا بالأنفس وما الذي اضمحل، ولماذا؟ 

قبل الرحلة لباريس 

ضمن سياسة محمد علي باشا لإحداث نهضة في مصر، بعث إلى شيخ الأزهر حسن العطار ليرشح له اسما للابتعاث لفرنسا ليعمل كإمام وواعظ لدفعة قوامها 34 طالب، وجاء جواب العطار بترشيحه رفاعه الطهطاوي لما كان يتمتع به من علم واجتهاد، وقد أوصى العطار الأخير بأن يدون كل شيء في رحلته هذه غير المسبوقة إلى باريس، وفعلا قام الطهطاوي بذلك، وسطر لنا الحياة الباريسية بعيون المسلم الذي ولد وترعرع في طنطا، وعاصر الدولة العثمانية. 


تقسيم الكتاب

يقسم الطهطاوي كتابه لمقدمة وأربع مقالات، مقسمة بدورها لعدد من الفصول. وفي المقالتين الأولى والثانية : يصف الطهطاوي خروجه من مصر والرحلة التي قام بها إلى أن وصل مدينة مرسيليا حتى وصوله لباريس، ويخصص لباريس المقالة الثالثة ، وأخيرا يخصص المقالة الرابعة للمعارف والعلوم التي أتى من أجل تحصيلها. 

باريس بعيون الطهطاوي ! 


في البداية يوضح الطهطاوي السبب الذي جعله يسافر لهذه البلاد "التي هي بلاد كفر وعناد، وبعيدة عنا كل الابتعاد، وكثيرة المصاريف، لشدة غلو الأسعار فيها غية الاشتداد" ص13  وهو كما أوضحنا لتحصيل العلم ، فيقول أنه في زمن الخلفاء العباسيين كان للفنون والعلوم مكانة مرموقة جعلت من الدولة الإسلامية دولة متمدنة ومرفه وذات تربية عالية، لكن هذا الأمر تبدل، وأهملت العلوم، ومع هذا التبدل خسر الاسلام وضعفت شوكته، بينما ظفرالإفرنج  بالعلم والعزة وحتى العدل ! وهنا تبدأ المقارنة وفهم الذات ومشاكلها من خلال الآخر، أي أن الصحوة لم تكن بسبب ملاحظة ذاتية ،أو تطور فكري، أو انفجار مشكلة داخلية، بل كانت من خلال مرآة الآخر المختلف، وهكذا سهل موضوع تقديم وصفة شافية للواقع الوهن وهي الإجابة عن السؤال الآتي: ما المفقود لدينا والموجود لديهم؟ بالتأكيد ذلك سبب تقدمهم، وتخلفنا! لكن ما يزيد المسألة تعقيدا هو أن الطهطاوي لم يكتف بإختزال الأسباب التي أدت لضعف الدولة الإسلامية بإجابة السؤال الآنف ذكره بل ترك المتلقي يقع في التناقض.


تناقض، ولكن...

 لم يخيب الطهطاوي أمل أستاذه، ودون بالتفاصيل كل ما رآه وعرفه في فرنسا: فيذكر نظافة المدينة، وحب الشعب للنظافة، حتى على مستوى الشخصي، فيذكر الحمامات العامة، وطريقة تريتبها، والبنيان والملبس والأواني المستخدمة للأكل، وطريقة الأكل، ويعرج على لباس المرأة ومكانتها في فرنسا، ويستغرب من كونها لا تتمتع بحريتها فحسب بل أن لها الأفضلية على الرجال، إذ يجلسها قبله، وتتلقى الزوجة التحية قبل زوجها! حتى أنه قال في موضع " أن الرجال عندهم عبيد النساء وتحت أمرهن، سواء كن جملات أم لا" ص87 ويذم بالرجال الفرنسين عدم غيرتهم على نسائهم وفي نفس الوقت يبين بأنه لا يرى عيبا في مراقصة النساء الرجال، وأن الفرنسيات اللواتي يتمتعن بالأخلاق لا خوف عليهن. 

 ولا يغفل الطهطاوي عن ذكر طبيعة الأرض والمناخ، وطبيعة الحياة التي لا تهدأ ليلا ولا نهارا، ويدون عن الأطفال وتعليمهم، ويتعمق حتى يصل لطباع الفرنسيين فيذكر أنهم يحبون التغيير والسفر، ومحبة الغرباء والصدق، و المروءة الإنسانية، والسرف...إلخ أي أنه يذكر مزاياهم وعيوبهم حسب وجهة نظره لكن بشكل عام يذكر بأن العديد من خصالهم تتشابه مع العرب. أخير ينهي بمختلف العلوم والآداب واللغة، فيذكر مهنة الطب والأطباء - يوردهم باسم حكيم- ويبين طريقة تعلمه للفرنسية ، وكيفية تقسيم العلوم، وما حصله منها، ويذكر أنه تمكن من ترجمة عدد من الكتب في فترة بقائه في فرنسا.

وأما الجانب الأهم في معالجة الطهطاوي، أو الجانب العملي والذي من أجله صنف كمفر سياسي هو معالجته للحياة السياسة الفرنسية، فالطهطاوي يتناول التنظيم السياسي للدولة الفرنسية، والقوانين التي تسير الحياة فيها تحت عنوان - الشرطة-، ويذكر المواد التي تتناول حقوق المواطنين، مثل المادة الأولى : مساواتهم أمام القانون -يستخدم الطهطاوي لفظ الشريعة- و المادة الخامسة: كل الأديان محترمة، ولكل إنسان حق التعبد وفق دينه!  ويعلق : "إذا تأملت رأيت أغلب مافي هذه الشرطة نفيساً" ص 113  وهنا يمكننا رصد التناقض، فالطهطاوي كإمام وواعظ يعلم بأنه وبحسب الشريعة فإن غير المسلم يعتبر كافر وعليه دفع الجزية إن هو أراد العيش في بلاد المسلمين، كما أن ذلك ينطبق على أهل الكتاب فقط، أي أنه لو بوذي قدم لبلاد المسلمين لا يحق له مزاولة عبادته الخاصة بينما في فرنسا ووفق القانون يجوز له ذلك! لكن الطهطاوي لا يذكر هذا الأمر ولا حتى يعرج عليه، ويكتفي بمدح الشرطة الفرنسية! ومن ناحية أخرى نراه يمتدح الإسلام لكونه اسلاما، اذ يحرص على التأكيد بأن أفضل البلدان- بل وأفضل القارات هي المسلمة فقط لكونها مسلمة، بينما يمتدح فرنسا وعلمها ونظافتها وقوانينها -التي هي بطبيعة الحال مدنية- وصولا للقيم والأخلاق والعدالة ـ يورد الفصل العاشر من المقالة الثالثة لفعل الخير في مدينة باريس - مع التأكيد على أنها كافرة ! وهكذا نلاحظ أن العديد من الجمل في الكتاب، كان يفرغ بعضها البعض من المعنى، ولعل بيت الشعر الذي كتبه أبلغ في أن يلخص النقطة: 

" لئن طلقت باريسا ثلاثا ****** فما هذا لغير وصال مصر
فكل منهما عندي عروس******ولكن مصر ليست ببنت كفر"ص70  


لكن وبالرغم من التناقض الذي أوقعنا فيه الطهطاوي، فان اجتهاده في تحصيل العلم، وصدقه مع ذاته في ما كتبه فتح المجال لمن بعده، وحرك المياة الراكدة، فمنهم من وصفه بأنه رائد النهضة لما ترجم ونقل من أفكار، ومنهم من انتقده "لافتتانه بفرنسا"، وإلى اليوم نلمس أشكال من التنافر والتجاذب، ودعوات لتتبع مسيرة الغرب مقابل دعوات للرجوع للأصول الإسلامية، وغالبا يكون الآخر حاضرا في إدراك الذات، إلا أنه وبالمقارنة مع ظروف عصره يظل ما قام به الطهطاوي مبادرة، وقد ساهم في دفع عجلة التقدم الثقافي والحضاري في مصر، إلى أن زالت دولة محمد علي باشا، وعرقلت الجهود وتم نفي الطهطاوي للسودان، وبالرغم من أنه تمكن من العودة لاحقا لكن النهضة التي حققتها مصر في تلك الحقبة لم تعد، وهو من عيوب النظام الفردي في الحكم، فالشخص أقوى من المؤسسة، والشعب أسير التقلبات التي تحدث في القيادة. أخيرا أذكر بأن الطهطاوي لم يغفل عن ذكر الثورة الفرنسية وعملية اسقاط العائلة الحاكمة للمرة الثانية في فرنسا، وبين رأيه في الأسباب، وحللها، وهكذا غدا في التاريخ قنديلا وإن ظلت الدوائر والأسئلة من بعده مسترسلة على جانبي طريق عالمنا العربي، فلإثارة الأسئلة مكانة أعظم من الإجابات. 




المصادر: 

-كتاب تلخيص الإبريز في تلخيص باريز- رفاعة رفعت الطهطاوي

http://www.marefa.org/index.php/%D8%B1%D9%81%D8%A7%D8%B9%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%87%D8%B7%D8%A7%D9%88%D9%8A

http://elbadil.com/2014/10/15/%D8%B1%D9%81%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%87%D8%B7%D8%A7%D9%88%D9%8A-%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A/


الخميس، 12 نوفمبر 2015

تلخيص الكوميديا الإلهية الجزء الثاني - المطهر





كما أوردت في البوست السابق فإن بطلي الرواية قد وصلا إلى النقطة التي انقلب فيها نزولهما إلى صعود، وخرجا من فتحة بعد أن سارا إلى جانب نهر فأصبحا تحت النجوم، وكما هي حال كل الأشياء، فإن هنالك نقطة يتحول فيها الشيء إلى نقيضه، وهكذا فإن الجحيم الذي أوردنا صورته كقمع، تحول إلى جبل المطهر، وهي في الأساس فكرة من التراث المسيحي تتمحور حول كون الذين لم يتوبوا في الحياة توبة كاملة لا يتم مساواتهم بهؤلاء الذين تابوا في حياتهم، ولا في الآثمين في الجحيم، بل يمنحون فرصة التكفير عن ذنوبهم في عالم ما بعد الموت، وهكذا بنى دانتي تصوره للمطهر، ورسمه على شكل جبل في جزيرة.

البداية 

بعد أن طلب من ربات الإلهام مساعدته على الغناء ليكتب انشودته، رفع دانتي رأسه ورأى أربعة نجوم " لم ترها عقب أولى نظرات البشر عينا انسان" وهي ترمز للفضائل الأربع الأخلاقية  ( الاعتدال و الحذر و روح العدل وقوة النفس)، والمقصود بأولى نظرات البشر هن نظرات سيدنا آدم وحواء، أي أن هذه النجوم تشرق فقط في العالم الذي يحتوي المطهر.

الفضائل الأخلاقية الأربع


وما أن نظر إلى القطب الآخر حتى أبصر شيخا وقورا ، وعرف أنه  ماركوس كاتون ، وهو سياسي روماني مؤيد للجمهورية،  وبعد سقوطها على يد القيصر، انتحر! وهو هنا في عالم دانتي بمثابة الحارس لمدخل المطهر، فبالرغم من أن دانتي يعتبر الإنتحار خطيئة - أوردت عقوبتها في البوست السابق- إلا أنه يفسر انتحار ماركوس على أنه توسل لحرية أخلاقية وسياسية وبالتالي مرادفا للشهادة، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على عمق دانتي وحرصه على أن يرسم صورة عادلة بأدق التفاصيل بحيث تراعي نية الانسان اللآثم. 

مشهد لقاء دانتي وفيرجل باركوس كاتون
   بعد تركهما لماركوس كانا لايزالان ازاء البحر، عندها وصف دانتي مشهد تقدم ملاك باتجاههما على النهر من دون مركب ولا شراع، وأخذ يصف شكله النوري، وجناحيه، وبين أنه جاء ومعه مركب حمل أكثر من مائة روح، ألقاهم على الشاطئ، ورسم عليهم علامة الصليب ورحل كما جاء. 



تقترب الأرواح من دانتي، وتحتضنه حتى حرضته على أن يحضنها بالمثل لكن الروح لا يمكن لمسها، ويتعرف دانتي على أحد الأرواح الهائمة ويتضح بأنه موسيقي ايطالي اسمه كازيلا، ويطلب منه دانتي أن يروح عن نفسه بسبب ما شهده في الجحيم ببعض الغناء فإذا به يبدأ الغناء ويقول " يا حبا في صميم قلبي يتفكر".أخيرا تتفرق الأرواح وتجري بعد أن نهرها حارس المطهر باحثة عن الطريق إلى الجبل، وبنفس السرعة انفض دانتي وفيرجل.

أثناء المسير لجبل المطهر ينتبه دانتي إلى أنه الوحيد الذي يمتلك ظلا، ويشرح له فيرجل السبب في ذلك، وينهي شرحه بفكرة الإيمان- أن ليس كل ما نعجز عن رؤيته غير موجود! - وعندما كانا يبحثان عن مكان قابل لتسلق الجبل صادفا مجموعة من الأرواح منها روح مانفريد  ودار بينهم حوار.


قبل صعود المطهر مر الشاعران على ( المرحلة الأولى، والثانية، ووادي الأمراء المهملين نحو واجباتهم).

  يشرح فيرجل لدانتي طبيعة جبل المطهر والتي تقل صعوبته كلما صعدت إلى الأعلى، كما يتعرف دانتي على أصحاب هذه المرحلة من الجبل وهم - الكسالى- وعقابهم أخف بكثير من الجحيم لأنهم تائبون لكنهم تأخروا في التوبه، كما أن لعقابهم نهاية في المطهر وليس سرمديا مثل الخالدين في الجحيم! وكنموذج يحاور دانتي أحد مصممي الآلات الموسيقية الذي عرف بكسله واسمه بلاكو.



المرحلة الثانية: اكمل الشاعران طريقهما إلى المرحلة الثانية، وصادفا مجموعة من الناس تسير وتغني بالتتابع (ربنا، رأفة بنا)، واستغرب الناس من كون دانتي انسانا حيا، واتضح لاحقا أنهم من ماتوا مقتولين في الأرض وتابوا في آخر لحظات حياتهم، وقد حاور بعضا منهم مثل : جاكويو دل ماسيرو، و شارل الثاني لآنجي.

 " الوادي الزاهر" : خصصت للأمراء الذين أهملوا واجباتهم، وفيها التقى شاعرانا ببعض الملوك مثل: الامبراطور رودولف الألماني، وأتوكار ملك بوهيميا، وفيليب الثالث ... منهم من كان يلطم صدره، والآخر يضع يده على خده ويتنهد من الألم والحسرة. 

حلم دانتي وبوابة جبل المطهر :  بسبب كونه انسانا فانيا فقد داعب دانتي النعاس واستسلم للنوم على العشب، وحلم بأن نسرا ذهبيا في السماء كان يحوم حوله وفجأة انقض عليه واختطفه، وشعر بأنهما يحترقان، فاستيقظ من حلمه فزعا، وإذا به قد تم نقله إلى بوابة المطهر!!
حلم دانتي: اختطافه من قبل النسر الذهبي

 شرح فيرجل لدانتي بأن القديسة لوتشيا قد حملته أثناء نومه إلى بوابة المطهر، ثم أخذ دانتي يصف البوابة : تتكون من 3 درجات، وعلى الدرجة الثالثة جلس حارس البوابة  بسكوت، إلى أن رآهما فسألهما ولما نال منهما الجواب، سمح لهما بالتقدم للدرجات الثلاث : كانت أولهن مصنوعة من المرمر - يرمز للطور الأول للتوبة- والثانية من صخرة خشنة محترقة ولونها أحمر داكن - لون الاعتراف بالخطيئة- وآخرها حمراء نارية وكأنها دم في شريان - رمز للمحبة التي تظهر في قلوب التائبين- وأخيرا بعد الثلاث درجات كانت هنالك عتبة البوابة المصنوعة من الألماس- رمز الثبات والمواصلة- وقبل أن يسمح لهما بالدخول، جثى دانتي على ركبتيه وضرب صدره 3 مرات، فوافق الحارس على فتح البوابة ،إلا أنه خط بسيفه سبع خطوط على جبين دانتي - الخطوط ترمز لأول حرف من كلمة خطيئة peccato الحرف P - وذكره بأن لا ينسى بأن يمسح هذه الندوب في الداخل! ثم استخدم الحارس مفتاحين لفتح البوابه أحدهما ذهبي والآخر فضي - مفتاحي الأرض والسماء اللذان أعطاهما المسيح لبطرس- وحذرهما بشأن النظر للخلف في المطهر حتى لا يتم طردهما.


القديسة لوتشيا تحمل دانتي إلى باب المطهر


بوابة جبل المطهر
الافريز الأول من المطهر : بعد أن مضى الشاعران للداخل، شاهدا صخرة عظيمة، وأخذ دانتي يصف روعتها وما نحت فيها من شخصيات مثل: جبرائيل عليه السلام ومريم العذراء... ثم التقى بالجموع التي كانت تدفع ثمن خطيئتها هنا وهم المسيحيون المتغطرسون، وعقابهم كان حملهم لأوزار متراوحة الحجم. بعد ذلك يتلو دانتي دعاء لربه ، ويلتقي ببعض المتغطرسين مثل : غوليلمو ألدوبراندسكي.

الحلقة الأولى من المطهر: المتغطرسون / المغرورون
يمر دانتي وفيرجل عبر طريق مزين برسومات تتناول شخصيات تاريخية وأساطير، ثم التقوا بملاك دلهم على الطريق للافريز الثاني ، وتكون البداية مع سماعه ترتيل "طوبى للمساكين في الروح" - مقولة مشهورة لسيدنا المسيح  والمعني فيهم خفاف العقل - ويبدي دانتي ملاحظة هنا وهي " شتان بين هذه المداخل ومداخل الجحيم، فهنا يدخل المرء وسط الأناشيد، وهناك خلل وحشي الصراخ". كذلك في هذه المرحلة أبدى دانتي استغرابه لشعوره بأنه أصبح أخف، وعند سؤاله لمرشده أجاب بأن الملاك قد لامس دانتي بجناحيه وهكذا مسح أول حرف P من التي خطها حارس بوابة المطهر، وأزاح عن كاهلة وزر أول خطيئة في المطهر! عندها تفقد دانتي جبهته بيده اليمنى ووجد فعلا بأن هنالك 6 أحرف فقط من أصل 7، وابتسم فيرجل عندما لاحظ ما فعله دانتي.

الافريز الثاني:  يصفه دانتي بأنه خال من أي منحوتات أو رسومات، وسمع فيه دانتي دعوات مهذبة للمأدبة، وشخص يكرر"أني أوريستس" - القائل هو بيلاديس صديق أوريستس الذي كان يريد الانتقام من قتلة أبيه، وقد كذب بيلادس وادعى أنه صديقه لكي يحميه لكنهما في النهاية نجيا معا-وشخص يقول "أحبوا من ألحق بكم الضرر" وقد أوضح فيرجل أن سبب وجود هذه الأصوات في هذا المكان هو لتوبيخ الحاسدين، والمنطق وراء ورود هذا التناقض في كل طبقات المطهر هو بكلماته دانتي: "الكابح ينبغي أن يكون نغمة مغايرة"!
 وهكذا فإن الحاسد محاط في المطهر بأصوات المحبة، لكنه محروم من أشعة الشمس، وملقى على الطريق، يلبس جلبابا خشنا، وعيناه تتوسلان، ورأسه يتكئ اما على الصخر أو على زميل له. وكعادته يحاور دانتي بعضا من الشخصيات التاريخية التي سكنت هذا المكان.

الافريز الثاني : الحسودين

الافريز الثالث: " طوبى للرحماء" " أيها الظافر لك البشر" هكذا كانت التراتيل بعد اجتياز دانتي للإفريز الثاني، ومرة أخرى شاهد دانتي ملاكا* ومن نوره اضطر دانتي أن يغطي عيناه مستخدما يده كالمظلة. أما المشهد الذي تمثل أمامه لاحقا كان عبارة عن مجموعة من الناس يرجمون رجلا بلا شفقة، فقام الأخير ورفع نظره للسماء طالبا من الله أن يغفر لقاتليه، ويتبن  بأنه القديس اسطفانس . وقد خصص هذا الإفريز لسريعي الغضب.


الإفريز الثالث : سريعي الغضب
يتجه فرجيل ودانتي للإفريز الرابع عن طريق سلم، وقد التقيا ملاكا مرة أخرى، ثم أبدى دانتي تعبه فتوقف الشاعران، وسأل دانتي عن سكان الإفريز الرابع فأعطاه فيرجل جوابا يتناول نظرية المحبة ، فهي أساس أي فضيلة أو رذيله، و المحبة حسب دانتي قسمان : الطبيعية والعقلية، فأما الطبيعية لا تخطئ، لهذا جميعنا نحب الله، لكن العقلية النابعة عن اختيار قد تخطئ، وقد تفرز محبة للشر، ويبين فيرجل أن الثلاث أفاريز القادمه إنما هي أوجه محبة الشر.
ويستطرد فيرجل بعد احساسه بأن نفس دانتي تريد المزيد من التفسير، فيشرح طريقة المحبة في التفاعل ما بين العقل والروح والفعل، ويبين بأن أداة الإنسان في التعامل مع المحبة في نهاية المطاف هي " الاختيار الحر" - القدرة النبيلة/ العقل- .

الإفريز الرابع: بصراخ ممزوج ببكاء كانت الأصوات في الإفريز الرابع تقول: "ركضت مريم مسرعة إلى الجبل"، و" حتى يسيطر قيصر على ليريدا فهو ضرب مرسيلية ثم انعطف إلى أسبانيا" ، وتبين أنه خصص للكسالى والمهملين، كانوا يركضون ويبكون، وقد إلتقى دانتي بعضا منهم . 

حلم دانتي: غالب دانتي النعاس ونام، فظهرت له امرأة شوهاء ترمز إلى أشكال الجشع الثلاثة : البخل، النهم، والانقياد المفرط إلى شهوة الجسد. وعندما نظر إليها دانتي فكأنه أطلق لسانها، فأخذت تغني غناء جميلا جعله يكابد ليحيد نظره عنها، وكانت كلمات الأغنية: "أنا النداهة، الفاتنة التي تغوي الملاحين في عرض البحر، لفرط ما يسر غنائي من يسمعه " حتى جاءت سيدة قديسة ولبلبتها وأثبطت مسعاها! وسألت فيرجل عن هويتها، فتقدم الأخير ثابت النظرات، وأزال عن المرأة الشهواء ثوبها، فإذا بعفن فاح من بطنها، وقد استيقظ دانتي بعد هذا المنظر من حلمه! 

الإفريز الخامس : " التصقت بالتراب نفسي" هذا ما كان يردده جموع البشر المستلقية على بطونها في الإفريز الخامس، كدلالة لإهتمامها على الأمور الدنيوية، وتولي ظهرها إلى السماء، وهم جموع الذين أحبوا امتلاك أشياء دنوية أكثر مما يلزم وتأخرت توبتهم، أي أن هذه الجموع فيها الجشع والبخيل ...إلخ. ومن الشخصيات التاريخية التي حاورها في هذا الإفريز كان : أدريانو الخامس .
 ثم يحل زلزال في المطهر! ويتبين بأن ذلك أمر اعتيادي وطبيعي، ويرجع لكون أي روح أحست بأنها طاهرة بما يكفي، وأنها كفرت عن ذنوبها في المطهر ومستعدة لتصعد للسماء، ترد عليها السماء بهذه " الصيحة"- أي الزلزال-.

الافريز الخامس: المحبون لتملك الأشياء الدنيوية
الإفريز السادس: "رباه افتح شفتي" - لكي يحمد ربه وليس للأكل- هذا كان الترتيل الممزوج بالبكاء في الإفريز السادس المخصص للنهمين/ الشرهين، وعقابهم كان البقاء حول شجرة تزكي رغبتهم في الأكل بينما هم يزيدون في فقدان الوزن حتى أصبحت أشكالهم وكأنهم جلد على عظم! 

الإفريز السادس : النهمون
في طريقهما للإفريز السابع، تساءل دانتي عن خسارة أوزان الأرواح في الإفريز السادس بالرغم من أنهم لا يحتاجون إلى غذاء؟  فينادي فيرجل الشاعر ستاتيوس ليشرح له، الذي بدوره تناول موضوع الخلق، والكيفية التي تدبغ الروح الجسد.

الإفريز السابع:  يصف دانتي ما شهده وهو عباره عن نيران خارجة من صخور الجبل، ومن الأخيرة خرجت أصوات ترتل : "يا إلهي يا عظيم الرحمة" و "لا أعرف رجلا" - العبارة التي رددتها مريم العذراء عندما علموا بأنها حامل- و" بقيت ديانا في الغابة ومنها طردت هيليس التي أحست في أوصالها بسم فينوس". يتضح أن هذا إفريز شهوانيين الجسد، ويلتق الشعراء الثلاثة ببعض منهم.

دانتي، فيرجل، وستاتيوس في الإفريز السابع
يمضي الثلاثة إلى الأعلى، ويلامس ملاكا دانتي وتمسح خطيئة أخرى، وشعر دانتي بالسعادة لأن لم يعد يفصل بينه وبين بياتريش سوا جدار واحد! لكن النعاس مرة أخرى غالب الشعراء، فتوففوا وراحوا يغطون في النوم، ويرى دانتي حلما سعيدا هذه المرة ويحمل دلالات عميقة كالعادة، إذ شاهد في حلمه فتاة في مقتبل العمروهي تقطف الزهور وتغني، وقالت بان اسمها ليئة وأن شقيقتها راحيل لا تفارق مرآتها -يقصد بها زوجة يعقوب الثانية التي لم تكن مشهورة بجمالها لكنه كانت خصباء بعكس زوجته الثانية التي كانت جميلة وعقيم -  ويستقظ دانتي ليجد الشاعران قد استيقظا قبله.
 و يكلم فيرجل دانتي ويبين بأن في هذه المرحلة ينتهي المشوار الذي يجمعهما، ويزين جبينه بتاج الاكليل كدلاله على أن دانتي الآن أصبح واسع المعرفة وجدير بالتاج. وفي الكوميديا يبقى فيرجل مع دانتي بالرغم من هذا الوداع حتى يلتقي بياتريشى في الجنة الدنيوية اذ يختفي بصورة غامضة.

وإلى هنا أقف في تلخيص  الجزء الثاني من الكوميديا الإلهية بالرغم من أن الأناشيد لم تنته، إذ تسمتر لتصف دخول دانتي للجنة الدنيوية وحتى لقائه ببياتريشي وذكره كعادته كلمة " النجوم" في آخر كل قسم من كوميدياه، إلا إن طريقتي التي اتبعتها في تلخيصي للكوميديا ليس حسب الأناشيد ولا الأقسام إنما حسب المحتوى، لذلك سأرفق جزءً أخيرا يتناول الجنة الدنيوية - المكان الذي عاش فيه آدم وحواء قبل عقابهم- والفردوس السماوية حسب ما صورها دانتي في الجزء الثالث والأخير من التلخيص. 
 في نهاية هذا الجزء أذكر أن المطهر كان له طابعه الخاص المختلف تماما عن الجحيم، ففي المطهر فنون وتراتيل، أحلام وملائكة، فلسفة ونظريات، ووجدت مواضع ترد على ابن رشد، واخرى تورد تصورا عن النساء المسلمات. كما أن هنالك تفاصيل لم أذكرها لحث القارئ الكريم على أن يخوض تجربة عالم دانتي بنفسه، وإن كان صعبا فيمكن الإستعانة  "بالنجوم" :) 


الكوميديا الالهية 

*الملائكة التي لامست دانتي في رحلته  للأعلى في جبل المطهر لم تكن نفس الملاك.

مصادر : 
https://en.wikipedia.org/wiki/Purgatorio
الكومبديا الإلهية، ترجمة كاظم جهاد

الجمعة، 6 نوفمبر 2015

لغة الجسد لدى السياسيين



البعض لا يولي لغة الجسد حقها من حيث الأهمية، ويصرف النظر عنها، بينما في الواقع فإن غالبية البشر يتأثرون بها بالفطره دون ادراك للسبب الذي دفعهم باتجاه معين! فالجسد غير الواعي أصدق من الكلمات الواعية، ومن هنا اكتسبت العيون شهرتها الواسعة على أنها لا تكذب، فكثير من الأحيان نستمع لخطبة أو نقاش ويكون منطق المتحدث سليم بنسبة عالية لكنك وبالرغم من ذلك لا تصوت له أو تشكك في صدقه، وقد تقول : لا أعرف لماذا اتخذت هذا الموقف! لكن على الأرجح فإن أعماقك تعرف الإجابة! قد تكون نظرة إلى أسفل أو لمس للأنف متكرر أو لمس للأذن أو ملاحظة تعرق ..الخ وقد لا يحتاج الانسان إلى تفسير ذلك الشعور الفطري المبهم طالما كان يعمل بشكل جيد كبوصلة للتعامل مع محيطك، ففي العديد من الظروف يكون ذلك كافيا، لكن إن كنت تفكر في أن تصبح سياسيا فإن المسألة ستختلف كليا !!!! فبمجرد أن تدخل هذا العالم ستجد نفسك في محيط ضبابي مليء بالأشواك، ولكي تتجنب "الفناء" عليك أن تستعين بكل قدراتك، الواعية وغير الواعية، وأن تفسر، وتكون يقظا لكل إيماءه يقوم بها نظيرك السياسي، أما لضمان تخطي مرحلة "البقاء على قيد الحياة" ل مرحلة "الفوز في اللعبة السياسية" عليك أن تتقن فن التأثير عبر الجسد! 

السياسة ولغة الجسد

كما ذكرت في أكثر من بوست سابق، فإن السياسة في جوهرها تتمحور حول مصطلح واحد، إلا وهو "القوة"، ومن أشكال القوة : الهيمنة، الردع، النفوذ، التأثير ...إلخ ومن يتصفح الصحف اليومية قد يقرأ هذه الكلمات بشكل شبه يومي، لكن ماذا عن الصور المرفقه معها؟ كيف تقرأ السياسين من أجسادهم؟ من منهم أتقن فن السيطرة على جسده بحيث كل صورة تدعم كل حرف يقوله؟ ومن لازال يتخبط ما بين جسده وكلامه؟ 

أعتقد بأننا في الكويت لدينا ثقافة سياسية نشطة، لذلك أرى من المهم تناول الموضوع وإلقاء الضوء عليه لنعمق إدراكنا، لذلك سأتناول بالصور بعض الإيماءات والإشارات التي يستخدمها السياسيون- بعضها بقصد والأخرى من دون قصد (هفوة)- لكن قبل ذلك أرفق ملاحظتين يرجى أخذها بعين الإعتبار:

1- بعض حركات الجسد يختلف معناها من ثقافة إلى أخرى. 
2- تتفاوت درجة دقة تفسير قراءة الجسد بسبب عوامل أخرى مثل نوع الشخصية والظرف الموضوعي.

 بعد الانتهاء من هذا البوست ستجدون أن قراءة الصحيفة اليومية قد تكون أكثر متعة (قليلا)، وأتمنى أن يتمكن من جعلكم تعيدون النظر في رأيكم في بعض السياسيين، وأن يحفز "بعض السياسيين" على أن "يرفعوا من مستوى أدائهم" :) 


أنا الأقوى .. أنا الذكر المسيطر Alpha male


بشكل عام فإن السياسيون يسعون لأن يرسلوا رسائل للمتلقين على أنهم الأقوى، لذلك يتجه معظمهم لاستخدام لغة جسد " الذكر المسيطر" ، فكما في عالم الحيوان نجد أن الذكر يحاول أن يجعل حجمه أكبر لاثبات القوة - مثلا الطاووس ينفش ريشه - كذلك الانسان ليتحدث بصفة القوي فإنه يفتح ذراعيه، ورجليه ، ويعلي ذقنه، ويشد ظهره -مرفق رقم 1، 2، 3- فبذلك يزيد من حجمه ويرسل رسائل للمتلقي بكونه واثق من نفسه ومن قدراته. ولعل أكثر شخص سياسي يتحدث بهذه الطريقة عبر جسده في الوقت الحالي هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (مرفق ) .

مرفق 1
مرفق 2


مرفق 3


مرفق 4

مرفق 5



مرفق 6

اليد العليا! 

  في عالم السياسة يمكن البحث عن القوة عبر المصافحة! فعندما يتقابل السياسيون ويدعون للتصوير من قبل الصحافة، نجد أن كل منهما يحاول أن يقف على جهة اليسار حتى إن مد يده لمصافحة نظيره تبدو هي اليد العليا في الصورة! -انظر مرفق 7 - وفي حال أن تمكن النظير من الظفر بالجهة اليسرى، فيمكن للطرف الأول أن يتدارك الموقف عن طريق بقية جسمه وهي إيماءة تفيد الصد في عالم السياسة - مرفق رقم 8- ، وإن كان يريد أن تكون رسالته أكثر حدة فيمكنه أن يتبع أسلوب استخدام اليدين في المصافحة - مرفق رقم 9- وهكذا يبدو الشخص الذي على اليمين هو الذي يملك اليد العليا! أما إن كان يرفض بتاتا حصول الطرف الآخر على اليد العيا ولا يهتم إن وصلت الرسالة له بشكل واضح  وعدائي، المرفق رقم 10- يوضح الاجراء الذي قد يتبعه! 

مرفق رقم 7 

مرفق رقم 8

مرفق 9
مرفق رقم 10 


الكذب في لغة الجسد 

في العادة فإن تكرار لمس الأنف، الأذن، الفم، أو تغطية الفم، تعني أن الشخص الذي أمامك يكذب ! وغير صحيح أن الكاذب لا يستطيع التطلع في عين الآخرين، بل على الأرجح فإن عينه ممكن أن تتسمر في عيون المقابل بطريقة غير طبيعية ، أو قد يتنقل بنظراته بطريقة سريعة وعدائية! أيضا فإن الكاذب قد يؤشر بسبابته كثيرا وذلك كتنفيس عن غضبه الداخلي لأنه قد كشف، وأفضل مثال لذلك هو شهادة بيل كلينتون بشأن مونيكا لوينسكي، فالمرفقان 11 و 12 يوضحان تغطية كلينتون لفمه، وملامسة أنفه،و التي يمكن رصد كذبه بوضوخ أكثر في هذا الفيديو (إضغط هنا للانتقال للفيديو) .

مرفق رقم 11

مرفق رقم 12


"العيون نافذة الروح" 

هكذا وصفت العيون من قبل الأدباء والفنانين، وهي بالفعل عالم بحد ذاتها، فإلى جانب قدرتها على التعبير عن الحزن والفرح الشديد بالبكاء، يمكنها إرسال رسائل احتقار أو إعجاب، صد أو دعوة، ترهيب أو ترحيب ...الخ كما أن لكل حركة، ولكل اتجاه في النظرة معنى، فإن كانت النظرات تتجه إلى اليسار فاحتمالات كذب الشخص تزيد* - مرفق رقم 12- كذلك عندما نقوم باقران النظرة بحركة الجفون والحاجبين نحصل على قراءة أكثر تشعبا للشخص - مرفق رقم 13 - .
مرفق رقم 12

مرفق رقم 13


لغة الجسد في الثقافات المختلفة


إن اشارة في ثقافة ما تفسر على أنها احترام وتقدير في ثقافة اخرى، وخير مثال عليه في عالم السياسة ما حدث في كامب ديفد ما بين ياسر عرفات وايهود باراك، فالأغلبية لم تفهم سبب الإصرار على أن يكون آخر من يدخل إلى المكان، لكن ما أن تضع ما حدث  في سياق ثقافة الشرق الأوسط التي تعتبر آخر شخص يدخل للمكان هو الذي يقود المجموعة ويساعدهم، يمكن فهم ما حدث على أنه صراع لفرض الهيمنة وليس مجرد "تهذيب"! مرفق 14


مرفق رقم 14



محاولة اعادة برمجة العامة


في السنوات الأخيرة نجد أن بعض السياسين يقللون من أهمية لغة الجسد، بل يتعمد بعضهم إرسال رسائل تبين أنه لا يوليها أهمية ويتصرف حسب "سجيته" أي أنه أساسا خارج "اللعبة"، وأن رصد لغة الجسد يعتبر ميدان ضعيف لفهم موازين القوى. لكن المحللين لازالوا يعتمدون عليها في فهم السياسين وفي تصنيفهم، وأحيانا تعزز لغة الجسد التصور أو تنقضه . ومن الشخصيات السياسية التي عانت كثيرا من هذا الموضوع هو جورج بوش دبليو، إذ صنف على أنه من "أغبى" الرؤساء الذين مروا على الولايات المتحدة بسبب مواقفه و لغة جسده.

مرفق رقم 15





* الأمر قد يكون العكس مع مستخدمي اليد اليسرى
مصادر:
https://www.quora.com/How-good-are-politicians-at-hiding-body-language
http://www.businessinsider.com/how-to-get-out-of-a-dominating-handshake-2012-9