الأحد، 29 سبتمبر 2013

مراجعة لرواية عالم صوفي






من أول لقاء لي مع غلاف الرواية وجدت نفسي مشدودة لها، وبعد أن طبعت عنوانها في تطبيق (قوود ريدرز) واطلعت على تصنيفها وآراء القراء بها قررت ضمها للائحتي، ومن أول فصل وجدتني اتصلت وجدانيا مع الطفلة صوفي، فقد أسرتني عفويتها و وحب الاستطلاع لديها، وغرابة أطوارها، كما أن مملكتها الصغيرة المكونة من حيوانات أليفة وأمها و"مخبأها السري" أشعرني بأني أقف أمام كاتب يفهم التركيبة السيكلوجية للأطفال، و يقدم للقارئ أجمل تجربة وهي أن تنظر للعالم بعيون طفل،و في نفس الوقت يحيك عالم حول الطفلة مفرط الواقعية إذ أن والدها يعمل في مهمة لدى الأمم المتحدة، وهو بذلك يطمأن ذلك "الجانب المروض" فينا، لكن ليس لمدة طويلة!

 تبدأ الحبكة في إرسال الرسائل البريدية الغامضة للطفلة صوفي تطرح عليها أسئلة فلسفية عميقة، وبسبب كون صوفي طفلة فأن ذلك كان مثاليا لمعالجة الأسئلة المطروحة، فكما ورد في الرواية " إن الميزة الوحيدة اللازمة لكي يصبح فيلسوفا جيدا هي قدرته على الدهشة" ومن أقدر على الدهشة من الذي كانت روحه وعقله مادة خام؟! فالرسالة تحث صوفي على تخيل أن العالم على أنه أرنب انبثق من قبعة ساحر، وأننا جميعا نعيش في فروة الأرنب، والقلة القليلة منا هم من تسلقوا الشعيرات المكونة لفرو الأرنب ليلقوا نظره، وأن هؤلاء هم "الفلاسفة"! قد يخطؤون وقد يصيبون كونهم بشر، واحتمال كبير أن يشعروا وكأن حمل العالم على كاهلهم بينما ينعم البقية بدفئ فروة الأرنب، لكن في المقابل سيكون لديهم فرصة لإلقاء نظرة على المجهول، وهكذا ينال الشخص الغامض اهتمام صوفي والقارئ معا، لكن الفرق بينهما أن صوفي حسمت رأيها في الرواية وقررت اتباع الشخص الغامض لتصبح فيلسوفة، بينما لايزال القارئ يملك الخيار في اكمال الرواية أو تركها.
و بعد ضمان اهتمام صوفي يبدأ الشخص الغامض بشق طريقه في تعليمها من خلال الرجوع 600 سنة قبل الميلاد، حيث ظهرت الفلسفة لأول مرة، وتحديدا مع أول فيلسوف سمعنا عنه ألا وهو طاليس ثم أناكسيماندر، ثم بارميندس، فقبل هذا الوقت كان تأليف الأساطير هو النشاط الفكري السائد، وكلما ارتعب الإنسان من الطبيعة يلجأ لخياله، مثلا: لتفسير ظاهرة البرق اخترع أسطورة  ثور "إله الرعد" في محاولة يائسه منه لعقلنة ما هو فوق فهمه، وهكذا فسر الرعد على أنه من فعل مطرقة ثور الشهيرة، وهو أمر انساني جدا واليوم تبدو فكرة غير قابلة للتصديق لكنها في أيام خلت كانت العزاء الوحيد للانسان. شخصيا استمتعت بالأجزاء الأولى من الرواية أكثر من الأخيرة من ناحية المعلومات، لكن الفصول التالية مرت على أهم  الحقب التاريخية المعروفة والتي أثرت على المسيرة الفكرية للإنسان كالعصور الوسطى، وعصر النهضة، والتنوير، والرومانسية، وصولا لأكثر الشخصيات التي أثرت في تفكير البشرية حديثا، ككارل ماركس ، وفرويد، ودارون.الجدير بالذكر أن الرواية تركز أكثر على الفلسفة الغربية بالرغم من أنها تعرج على الثقافات الأخرى باقتضاب كالهند-صينية والسامية مما جعل البعض ينتقدها في هذه الجزئية.

إن الشيء الممتع جدا في الرواية أن كل هذه المعلومات منسوجة في جسد القصة الغامضة بطريقة أنيقة وسلسة، ومع نهاية كل فصل تقريبا تجد نفسك تتطلع للفصل القادم، حتى يوصلك الكاتب للذروة وهي جعلك كقارئ جزء من الرواية! حينها تتبلور كل الدروس التي تلقتها صوفي معك كقارئ، وطبعا إذا كنت تملك مخيلة نشطة ستستمتع كثيرا، وقد يصل بك الأمر لأن تباغتك الابتسامة وأنت تتخيل المؤلف وهو يتخيلك تقرأ! 
في النهاية أحب أن أؤكد بأن الرواية عبارة عن مقدمة، أي أن طريقة معالجتها أفقية وليست عامودية لتاريخ الفلسفة، وأختم مع المقولة المذكورة في بداية الرواية وهي "الذي لا يعرف أن يتعلم دروس الثلاثة آلاف سنة الأخيرة، يبقى في العتمة" - غوته

ليست هناك تعليقات: