الأربعاء، 18 سبتمبر 2013

بروميثيوس





لو رأيت الفرصة سانحة لخطف سر من أسرار هذا الكون يقوي من موقف بني البشر لكنه يضعك في خطر، هل تقبل عليه؟ هل تضحي بنفسك من أجل عيون المطرودين من الجنة والذين يسفكون الدماء في الأرض؟ أم تعرض فتظفر بالسلام؟ ماذا لو عقدنا المسألة وبينا أن العذاب الذي سينتظرك في حالة أن أقدمت ستكون ربطك إلى حجر وإرسال نسر جارح يلتهم كبدك في الصباح لينمو لك غيره في الليل ((إلى الأبد))! هل ستقدم حينها؟ هل ستضحي حينها؟ في خيال الإنسان لقي أحدهم هذا المصيرواسمه (بروميثيوس)! فقد تحدى زيوس -أكبر الآله الأولمبية- وسرق منه سر الشعلة ووهبها للناس جميعا،  وهو ينتمي لعرق الجبابرة وقد تم تكليفه هو وأخيه من قبل زيوس لإيجاد أشكال للحياة على الأرض، وربما كان بروميثيوس حاقدا على زيوس أو كانت رغبة صادقة منه في نصر الضعيف، لكنه رفض أن يخلق البشر دون أي ميزة تعينهم على العيش الكريم، فلكل المخلوقات أدواة تعينهم ماعدا البشر، لذلك خدع زيوس وسرق منه الشعلة ومنحها للبشر!

شخصيا أعتبر قصته من أحب الأساطير إلي، ففيها تجد ترجمة لمشاعر ومخاوف البشر من المجهول، ورغبتهم العميقة، والجامحة، والتي تشبه الجوع الكافر، للأمل وللنور، ولو كانا أبعد لنا من الشمس ملايين المرات! فالشعلة التي سرقها بروميثيوس ترمز للمعرفة وهي كانت ولازالت السلاح الوحيد الذي يرى فيه الإنسان كرامته وفخره، وبها فقط يقف وحيدا أمام القوى الخفية التي لا تهدأ، وكون أن بروميثيوس سرق المعرفة بالحيلة ومن أقوى الأقوياء لصالح الضعيف فان ذلك يضيف معان وأبعاد أعمق للطبيعة البشرية التي تجنح لقيم العدالة والتعاطف مع الضعيف، كما أن مخلص بروميثيوس في النهاية كان هرقل -نصف إلهه ونصف انسان- مما يعني أن الإنسان كان -وربما لايزال- يرى نفسه على أنه جزء من لعبة أكبر منه! فهو مجرد قمحة تلعب بها الأقدار، وبالرغم من ذلك نجده في الواقع لا يهدأ...لا يقف...بل يسعى، بالرغم من كونه ضعيفا لكن صوت الكرامة في داخله يدفعه لأن يظل يتحرك ويحاول أن يقضي على ضعفه، فنحن نحمل في ذواتنا سر بقائنا وهو مثير للسخرية حقا لأنه في النهاية هو أيضا أكثر شيء نريد التخلص منه ألا وهو ضعفنا!  

أنصح الجميع بقراءة أسطورة بروميثيوس لما لها من قيمة في التراث الإنساني، وللإمعان في المشاعر المستترة ضمن ثنايا القصة، حتما ستلامس شيء فيك. 

ليست هناك تعليقات: