يكاد كل حديث سياسي في
الكويت لا يخلو من استخدام مصطلح "الديمقراطية" , و أغلب استخدامه يلمح
إلى أنه يعرفها على أنها " حكم الأغلبية" فقط , أو أنها " التمثيل
العادل لفئات المجتمع " ... و أحيانا أخرى تستخدم ككلمة مرادفة لمعنى "
الشورى"!!!! و مسألة تعريف المصطلحات بالغة الأهمية لأنه إذا كانت الفكرة
تعبر عن نفسها عن طريق الكلمات و المصطلحات فلا نتوقع من أي نقاش أن يكون مثمرا
إذا كانت الكلمة لدى الطرف (أ) لها معنى و دلاله أخرى لدى طرف (ب) ! و من هنا تأتي
أهمية التوضيح و التفرقة ما بين عدة مصطلحات عند الحديث عن الديمقراطية و هي : (الديمقراطية
– democracy- ,
و الديمقراطية الليبرالية أو الدستورية – Liberal democracy - , و الديمقراطية المباشرة – Direct
democracy- , و الديمقراطية التمثيلية -– representative democracy , و
الشورى , و استبداد الأغلبية أو ديكتاتورية الأغلبية – Tyranny of
the majority - )
و ذلك للتوصل لفهم أعمق و أشمل لمعنى الديمقراطية.
من الناحية اللغوية فإن
كلمة ديمقراطية أصلها يوناني و هي عبارة عن دمج كلمتين و هما " ديمو " -
أي عامة الشعب - و " كراسي" – أي حكم- , و جمعهما يعني حكم الشعب , و من
المعروف أن أول شكل من أشكال الديمقراطية في التاريخ ولد في أثينا و تسمى "بالديمقراطية المباشرة"
لأن كل أفراد الشعب كان يشارك من خلالها في عملية اتخاذ القرار السياسي بصفة شخصية
– ماعدا النساء و الرقيق – أي أن الكل كان يشارك شخصيا في عملية اتخاذ القرار .
لكن بسبب تطور المجتمعات و زيادة حجم السكان
تعذر مشاركة الجميع في عملية صنع القرار[1]
لذا وجدت " الديمقراطية التمثيلية " و التي تتم من خلال انتخاب الشعب
لممثلين ينوبون عنهم في عملية صنع القرار , و هو الشكل المتعارف عليه عند الحديث
عن الممارسة الديمقراطية في العصر الحديث, لكن لابد من التوضيح بأن كلمة "
ديمقراطية " وحدها تعني حكم الشعب فقط , و هو تعريف مطاط لا يصف الممارسة
الديمقراطية التي تتبعها أغلب الدول الديمقراطية في العصر الحديث, فكما لاحظنا فإن
الشكل الأول من أشكال الديمقراطية يعتبره البعض غير ديمقراطي لاستثنائه المرأة و
لإقراره بنظام الرق المنتهك لحقوق الإنسان , لذلك استحدث مفهوم " الديمقراطية
الليبرالية أو الدستورية " لوصف معنى الديمقراطية وصفا دقيقا و الذي يأخذ في
الحسبان المسيرة التاريخية للديمقراطية و التي تطورت بمختلف الأزمنة و أصبحت الشكل
الأفضل من أشكال الحكم الموجوده ; و
هو " حكم الأغلبية مع إيجاد قوانين دستورية تحمي الأقلية" , لكن جرت
العادة باستخدام مصطلح الديمقراطية للدلالة على الديمقراطية الليبرالية و هو من
الأخطاء الشائعة.[2]
فمن دون حماية الأقليات
قد تتحول الديمقراطية لمسخ مشوه و يطلق عليه "استبداد الأغلبية أو ديكتاتورية
الأغلبية" , إذ أن الأغلبية تستغل الكم العددي التي تملكه لانتهاك حق الأقلية و
لفرض منظومة القيم الخاصة بهم على بقية فئات المجتمع باسم " الكم" , و
هو ما نعاني منه إلى حد ما في الكويت , فبمجرد وصول أغلبية معينة للبرلمان تبدأ
بالتلويح بتغيير مبادئ ديمقراطية أصيلة و تنتهك حق الأقليات و تنسف التوازن التي
تخلقه الديمقراطية باسم الديمقراطية , لذلك فهي كممارسة أقرب لأن تصنف على أنها
استبداد الأغلبية منها للديمقراطية .
أما الشورى فهو مصطلح مختلف تماما عن النظام
الديمقراطي و لا يمت له بصله لأن مجلس الشورى هو مجلس استشاري بالدرجة الأولى و
مستند على الشريعة الإسلامية , و يعين من قبل الحاكم , و ليس لديه أي صلاحيات ,
فهو فقط معني بإبداء النصيحة لولي الأمر , لكن الحاكم غير ملزوم بتنفيذ النصيحة و
إن أجمع عليها كل المجلس ! بينما تحتم الممارسة الديمقراطية أن يكون ممثلي الشعب منتخبين
, و ذو صلاحيات تشريعية و رقابية ملزمة !
إذا نحن في الكويت لابد
أن نعي بأن الديمقراطية هي ليست الشورى , و لا حكم الأغلبية فقط , الديمقراطية في
العصر الحالي تستمد مبادئها من تراكمات تاريخية و من مبادئ حقوق الإنسان و تحرص
على تأسيس مجتمع متوازن تمارس فيه الأغلبية حقها مع احترام و التأكيد على حق الأقلية
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق