لكل من سيقرأ هذه الرواية: لا أعتقد بأنك ستفلت من التعثر أو الوقوع جراء التنزه بين أسطرها، مرة أو مرتين على الأقل ! فهنالك العديد من الأسئلة والمعلومات "المثيرة للجدل" في أنحاء متفرقة من الرواية، وهو أمر متوقع من الروائي والفيلسوف يوسف زيدان، صاحب رواية عزازيل، الفائزة بجائزة البوكر العربية للعام 2009، والتي أحدثت ضجة كبيرة في العالم العربي، وذلك لجرأتها الكبيرة، إلا أني أرى في (ظل الأفعى) جرأة أكبر بالرغم من أنها سابقة على عزازيل! وعندما أقول (التعثر) أو (الوقوع) أعني بأن القارئ "سيتعثر" فيخفف من سرعة عدوه في هذه الدنيا، ويرفض الاستسلام (للبديهيات)، أو "سيقع" في مصيبة (التحيز المسبق) التي ستعميه وتجعل منه آله سب وقذف لا أكثر ولا أقل!
القصة:
الرواية تبدأ مع "بداية النهاية" ما بين زوجين في العقد الثالث من العمر، فعلى ما يبدو أن الزوجة تغيرت نظرتها لزوجها بعد سبع سنوات من "اللاحياة" أو "الحياة السطحية" ، فالزوج انسان "عادي" ذو اهتمامات "عادية"، ويمكن أن نقول بأنه "ذكر ابن الثقافة الشرقية"، يرضى بالقليل، ولا يهمه شيء سوى المظاهر وحاجاته الأولية، لا تحكمه مبادئ أو قيم، يتندر على "الأحياء" أو الذين يهتمون بأشياء أعمق من "الحياة اليومية/اللهو"، فيقابل بالبرود والصد من زوجته التي "صحت" في يوم ما بعد أن تواصلت مع أمها التي حرمها منها جدها، أمها البروفيسورة المرموقة، والتي عاشت في الغربة جراء نزع ابنتها منها بعد موت زوجها، وهكذا يبدأ الزوج في الدخول في مرحلة اليأس، التي في النهاية تؤدي "للكشف عن طبيعته الذكورية الهدامة مقابل الطبيعة الأنثوية الحاضنة للحياة"، وهي الفكرة الأساسية التي تطرحها الرواية، ويدعمها زيدان من خلال الاستعانة بالتاريخ والحضارات القديمة.
كيف ينسج زيدان فكرته؟
كما ذكرت يورد زيدان في البداية قصة الزوجين، ويبين الرجل على أنه المنتهك السطحي العنيف البليد الفاشل ...إلخ بينما هي الجميلة الذكية الناجحة ...الخ لكنها تخسر أمامه بالرغم من "قوتها الناعمة" وتقدمها عليه في ميادين كثيرة لكن من دون "قوة الساعد" تخسر هي ويؤسس هو العالم على هواه. وفي القسم الثاني من الرواية يورد زيدان مجموعة الرسائل التي تواصلت من خلالها الأم البروفيسورة مع ابنتها، ومن خلال هذه الرسائل يحدثنا زيدان عن التاريخ البشري، وكيف أن الانسان القديم عبد الطبيعة الأنثوية وألهها مثل (أنانا وعشتار في الحضارة السومرية والآشورية، وإيزيس في الفرعونية....الخ) وأن الحضارات العريقة كانت تولي المرأة مكانة مرموقة جدا وتوليها أهمية أكبر من الرجل، لكن شيئا فشيئا انتزع الرجل منها هذه المكانة، و"قلب المقدس إلى مدنس" فأصبح العالم مبني على مبدأ "القوة"، وأصبحت هي "مكمل" لحياته هو، وعندما وعت لذلك، أخطأت الطريق وأصبحت تنادي "بالمساواة بين الجنسين" وتفهم نفسها كما يفهم الرجال أنفسهم، بينما الصحيح هو أن تنادي في عالم يفهم طبيعتها كما تفهمها هي! وهكذا من خلال القصة والرسائل يبين لنا زيدان وجهة نظره التي قد تبدو للبعض متطرفة ومتحيزة للمرأة.
"الجرأة"
لا أعتقد بأن هذه الرواية مناسبة لجميع الأعمار، ولا أنصح بها "للقراء المبتدئين" ولكن من وجهة نظري فإن ما أورده زيدان وصنف "كجرأة زائدة" في بعض أجزاء الرواية لا يقارن بجرأة الأفكار التي يوردها في أجزاء أخرى، بالرغم من "تخفيفها" و"توريتها" لكنها وصلت إلي شبه واضحة! وعليه أنصح من ينوي قراءتها تجاوز التفكير الحسي إلى التفكير الفلسفي/النقدي في أصل الأشياء في عالمنا، وإلى التاريخ الانساني، وإلى الميكانيزم العجيب الذي يحكم العلاقة ما بين الرجل والمرأة.
على سبيل المثال أذكر سؤالا أورده زيدان في حديثه عن مكانة المرأة في الجاهلية، وهو: إذا كانت ظاهرة وأد البنات منتشرة في الجاهلية، كيف تكاثر العرب بهذه الأعداد الكبيرة؟ ويورد الجواب بأنه لم يصلنا خبر موثوق من زمن ما قبل تدوين القرآن بأن تلك العادة كانت منتشرة، وحتى الآية التي ذكرت الوأد " إذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت" "قد نفى عنها الفعل بالكلية" -ص115 - ويؤكد بأن مكانة المرأة كانت عالية إلى درجة أن هنالك قبائل اتخذت أسماء تنسب للأنثى مثل قبائل كندة وثعلبة ...الخ
أيضا يستخدم زيدان "اللغة" للكشف عن تلاعب الزمان والوعي الإنساني في المعاني، فمثلا كلمة (شاطر) تستخدم اليوم للدلالة على شيء إيجابي بينما أصل الكلمة هي : الانسان الذي "أعيا أهله خبثا" ! كما أن كلمة "بعل" مشتقة من الإله بعل الذي عبد في الجاهلية بينما "حرم" للرجل، أي أن صفة وجودها تعتمد عليه في الأساس.
بقي أن أشير إلى أن الرواية متوفرة في مكتبة ذات السلاسل ( لا أعلم إذا كانت متوفرة في مكان آخر) تكلفتها (دينارين كويتي) ، الناشر ( دار الشروق)، عدد صفحاتها (170) .
هناك تعليق واحد:
معلومات جميلة !! لا أستطيع الانتظار إلى رسالتك التالية!
تعليق بواسطة: muhammad solehuddin
تحيات من اندونيسيا
إرسال تعليق