الخميس، 3 ديسمبر 2015

تلخيص كتاب حرية الإنسان في الإسلام

الأصل ما استتر، الأصل كامن في الصميم، قبل أن يشكل الجسد، الأصل "من علم ربي"، لذلك فنحن نبصر ونسمع وبالفؤاد نكتشف العالم ، ومن احتكر التفسير، وكرس الفهم القديم، وأشاع بأنه الأصل، لهو يكرس الجهل والهوان، في العصر الحالي ويهدد الأمان، فالأصل ما استتر، الأصل كامن في الصميم، قبل أن يشكل الجسد، الأصل "من علم ربي"..
التلخيص  

ما أوردته في التقديم ربما يعد تلخيصا مركزا لما يقدمه الكتاب، ألا وهو: وجهة نظر مختلفة وقراءة جديدة للإسلام، تنطلق من رفض لاحتكار نخبة تاريخية لحق التأويل والتفسير، وبكلمة أخرى هو : تعبير عن إرادة حرة، واحترام للذات، فلو أن الأقدمون قد اجتهدوا وبواسطة روحهم فسروا وأدركوا، فإن ذلك لا يسلب الذين أتوا من بعدهم من نفس الحق،  وفي هذا الإطار يسطر المفكر والباحث محمد أبو القاسم حاج حمد111 صفحة، مقسمة لأربعة فصول تحمل العناوين الآتية : 

1- مقومات الحرية.
2-التكوين الطبقي وعلاقته بالحرية وإشكاليات التنظيمات الإسلامية.
3-القطيعة المعرفية مع الأيدولوجيا.
4-العبودية لله.


المفكر محمد أبو القاسم حاج حمد 

أود أن أشير إلى أن بعض الصفحات تحتاج إلى إعادة القراءة أكثر من مرة، وإن لم تكن تملك خلفية في السياسة والاقتصاد و الثقافة الإسلامية، فقد تحتاج للاستعانة بمحرك البحث قوقل لتتمكن من تتبع الأفكار الواردة في الكتاب. 


الدستور وعلاقة المسلم بغير المسلم
 يعيد محمد أبو القاسم  قراءة التراث الإسلامي ليخلص لنتيجة مفادها أن تراث تطبيق النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الإسلامي هو ما يجعل الإنسان المسلم الحالي مجبر على إيجاد حلول توفيقية للواقع خالية من العمق والمعنى، وسهلة الانكسار عند أول امتحان لها، بينما ما نحتاجه هو تغير التصور الذي نستخدمه  a shift in our perspective ، مثل : اعتبار القرآن الكريم كتاب مهيمن وكلي وليس كتاب تشريع أو دستور! فإن كان هنالك دستور في الإسلام فهو وصايا جبل عرفات -حجة الوداع-: لأنها تخاطب جميع الناس جميعا، وتحمل المقومات اللازمة لاعتبارها دستور في أمة متعددة الأجناس والخلفيات، بينما القرآن هو كتاب أكبر وأعم وأشمل، ووصفه بالدستور يعد كوصف الكل بأنه جزء.  
كذلك يعتبر محمد أن الحدود فيها حدود عليا ودنيا، وفي أمة متعددة فإن وصايا جبل عرفة تصلح لأن تكون الحدود الدنيا،  ويرى أن المسافة ما بين الحدود الدنيا والعليا مفتوح للفقه والاجتهاد، وعليه يرجع محمد إلى القرآن ليبحث عن الحدود الدنيا التي تتناسب مع الدستور، ويؤكد على أن القرآن قد جاء لينسخ الكتب السماوية السابقة نحو التخفيف ، وعليه فإن اتباع نفس النسق هو الأساس في النظام والتعامل الإسلامي، وتحت هذا الإطار يربط محمد أبو القاسم العداوة بين المسلمين وغير المسلمين بثلاثة شروط  مبنية على قراءته لسورة الممتحنة 7-8 :

1- أن يقاتلونا في ديننا.
2- أن يخرجونا من ديارنا.
3-أن يؤيدوا من يخرجنا.

السمع، البصر، الفؤاد، الروح : مفاتيح الحرية في الإسلام

((أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )) صدق الله العظيم

ينطلق محمد من هذه الآية ليبين الآلية التي من خلالها جعل الله الإنسان حرا، فالإنسان حر لأنه مكرم بالسمع وليس بالأذن، بالبصر وليس بالعيون، بالقلوب وليس بمضخات للدماء! كما أن للإنسان بعد رابع بالاضافة إلى النفس، البدن، والحواس، وهي الروح ، التي هي مكنونة في الإنسان لكنها لا تنتمي إلى هذا العالم، أي أنه هذا التصور يجعل حرية الإنسان نابعة من داخله، وداخله مرتبط "بعلم ربي"، وعليه فإن على الإنسان أن يوظف كل حواسه وبدنه - قلبه ، بصره، سمعه- ليكون حرا ويحلق في فضاء هذا العالم، ويستخدم البعد الرابع المكنون ليهذب نفسه الأمارة بالسوء.

 إذا الحرية في الإسلام لا تنبع من علاقته بالآخر كما هي الحرية في المجتمعات الغربية بل تنبع من علاقة الإنسان بنفسه، بالإردة وحس المسؤولية التي منحها الله له، وهو ما يؤكده الفصل الثاني من الكتاب إذ يشرح المفكر بأن النظام في الغرب هو " وليد الواقع عبر سلسلة من عمليات الانعكاس الجدلي من أسفل إلى أعلى، أو من القاعدة إلى المنظومة الفكرية التي تجسد طبيعة النظام. هذه السلسلة الجدلية تصبح معكوسة تماما حين نأخذ بمفهوم الحرية الروحية الإسلامية ..." ص61 فالإرادة الإنسانية تعلو على المشيئة الطبيعية جدليا وماديا، والإنسان بموجب الروح يمتلك حق قراءة الكتاب الكوني بروح ابداعية تخوله أن يكون حرا، وما يحدد مداها هي "أخلاق الروح".

 كما يؤكد الكاتب على أن لا يوجد تنظيمات سياسية باسم الاسلام ، بل هنالك أمة مختارة، مهمتها محددة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال " النفر القدوة". 


توق إلى العالم الذي أنزلنا منه وليست إكراها


أما وجهة نظره الخاصة بعبودية الله وكيف تتعارض فكرة "الحرية" مع مفهوم العبودية،  فيرى المفكر أننا نحتاج لقطيعة مع الإحاطة المفهومية للأيدلوجية التاريخة التي تصور علاقة العبودية في إطار (حاكم- الله) و (عبيد-البشر)، ويورد علاجه للنقطة حسب الآتي  وهو: أن سيدنا آدم عندما كان في الجنة - المستوى الروحي- لم يكن يعبد الله بحواسه ونفسه بل بروحه، لكن عندما أنزله الله إلى الأرض نزلت أيضا مستوى العبادة وأصبحت على مستوى الحواس، ولأن الله زود بني آدم بوسائل الإدراك فإن عبادة الله لا تعود إجبارا بل طواعية وادراكا بأن جانبنا الروحي يتوق الى العالم الذي ينتمي اليه، فتصبح العبادات كالأجنحة التي ترسل العبد في ملكوت الله، وهو فهم مغاير تماما لعلاقة العبد بالحاكم أو بالسيد.

 تعقيب 

كما هو واضح فإن ما يورده الكتاب في صفحاته القليلة يتجاوز من حيث الثراء ما تقدمه مجلدات ضخمة، ويمكن القول بأن التصورات والأفكار التي يطرحها قريبة من التصوف - وبشكل أقل التفكير الطوبائي-، لكنها تطرح حلولا مقبولة للعراقيل التي تصادف الإنسان المسلم المعاصر، فالحرية المسؤولة والمنوطة بالروح والحس الإدراكي تبدو أكثر مناسبة للإنسان بالمقارنة مع الحرية الوضعية ، لكن يبقى التطبيق هو المحك.

كذلك أذكر بأن الكتاب يحمل سمة ما يتبناه، أي أنه يترك المجال للتفكير، - لربما كان عن قصد أو غير قصد-  فعلى سبيل المثال يذكر المفكر أن أبعاد الروح هي التي تحدد علاقاتنا ببعض، ونستمدها من التفاعل ما بين وسائل إدراكنا وديننا الحنيف، ويتناول الرابطة العائلية ضمن هذه الرؤية في آخر نقطة من الفصل الأول، ويورد شرحا معتمدا على الآيات القرآنية لبيان أهمية الأسرة والعلاقات المنظمة لها ، لكنه لم يذكر تعدد الزوجات وهي نقطة مهمة ،  من الصعب إغفالها خصوصا ضمن قراءة كالتي يطرحها.

أخيرا أذكر بأن هنالك أفكارا جريئة يطرحها الكاتب لم أتناولها بالتلخيص، إذ ركزت على أهم الأفكار المطروحة من وجهة نظري، لكن الكتاب زاخر بالآيات القرآنية والتأويلات، وإن كان يعاني شحا في المراجع. 


ليست هناك تعليقات: