يقول فرويد بأن العرق البشري
مر بثلاث جروح نرجسية ، الأول هو الجرح الكسمولوجي الذي أحدثه اكتشاف أن الأرض ليس
كما هو متعارف عليه منبسطه و انما هي كروية ، و لقد رفض الانسان التسليم في هذه
الحقيقية و ظل يحرق الكتب و يعادي العلماء حتى وصل به الألم لأن يحرق أخيه الانسان
المؤمن بكروية الأرض ! لكنه في النهاية رضخ أمام البراهين العلمية التي حاصرته و
نزعت منه ملائته السوداء التي أحبها و
التي كانت توفر له واقع مزيف ملؤه الراحة
و الأمان . ثم جاء دارون ليهز العالم من جديد و ليطرح فكرته الثورية و التي أحدثت
جرحا أكثر عمقا من الجرح الذي أحدثه الجرح الكسمولوجي لأنها تمس كرامة الانسان
بشكل مباشر ألا و هي " فكرة كون أصل
الانسان قرد " فحتى زمن قريب ظلت الكنيسة الكاثوليكية ترفض النظرية
الداروينية إلا أنها رضخت و تم الاعتراف
في النظرية عام 2009. أما الجرح الثالث فلقد سببه فرويد نفسه عندما كشف عن ذلك
المكون في تركيبنا النفسي و المسماه "باللاوعي " ، فالانسان عدو ما يجهل
و اللاوعي هو مكان لا يمكن ادراكه و لا يمكن سبر أغواره و الرغم من ذلك فإن فرويد
يدعي انه المكون الأقوى و الأهم في تقرير سلوكنا اليومي كبشر مما أدى
لرفض هذه الفكرة و مقابلتها بالنقد . جورج طرابشي ذهب ليضيف لهذه الجروح الثلاث
جرح رابع خاص بالوطن العربي يتعلق بالسؤال الأزلي لماذا تخلفنا و لماذا تقدم غيرنا
؟ و ينسبها لجرح نرجسي جديد أسماه ( الوعي الشقي ) و هو فهم ووعي مزدوج لحقيقتنا و لهويتنا ، فماضينا يقول بأننا
( خير أمه ظهرت للعالم ) وواقعنا يقول
بأننا أضعف الأمم ، و بين ماض و حاضر ، بين الفهم المزدوج لذاتنا ، و بين القراءة
الشقيه لهويتنا ، يصل الأمر للإنسان لأن ( ينكر قولا ما يقره فعلا ) فيصبح عيشه
للحياة شقيا ، و ضميره معذب لأن الاتساق مع الذات مستحيل ، فهو يعرف نفسه على أنه
الماضي العالق بالحاضر ، هو لا ينتمي لهذا عالم ، لهذا العصر الشرير العاصي ، هو
ينتمي لعالم المثل القديم ، للزمن الذهبي, ولكنه يضطر لان يساير الواقع ، لذا نراه ازدواجي منقسم على ذاته و على
الآخرين ، و الانسان المنقسم على ذاته انسان مشوش عاجز عن التفكير السليم و
بالتالي هو عالق في فقاعة هوائية و غير قادر على العطاء و عاجز عن احداث التغيير. و من صور
الوعي الشقي في المجتمع : الرجل الملتحي
لكن أفعاله لا علاقة لها بدلالة اللحية , و صورهم تملئ الصحف اليومية , شكل آخر من أشكال الوعي الشقي هو أن يرسل الرجل المتشدد أبناؤه للدراسة في مدارس أجنبية , أو أن يبدوا شخصا كأنه يعمل في فرقة روك غربية لكنه يصر على أن ترتدي أخته الحجاب , أو أن حتى صورة المرأة التي ترتدي لباسا ضيقا من جلد حيوان بري مع المبالغة بوضع مساحيق التجميل مع تربع الحجاب على رأسها ....
فما رأيكم بما سبق ؟ هل وفق طرابيشي في تشخيص حالة التناقض التي نراها ؟ و في حالة عدم الموافقة هل يمكن لأحدكم أن يفسر الصور السابق الإشارة لها ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق