الأربعاء، 14 ديسمبر 2011

جرح نرجسي و ووعي شقي






يقول فرويد  بأن العرق البشري مر بثلاث جروح نرجسية ، الأول هو الجرح الكسمولوجي الذي أحدثه اكتشاف أن الأرض ليس كما هو متعارف عليه منبسطه و انما هي كروية ، و لقد رفض الانسان التسليم في هذه الحقيقية و ظل يحرق الكتب و يعادي العلماء حتى وصل به الألم لأن يحرق أخيه الانسان المؤمن بكروية الأرض ! لكنه في النهاية رضخ أمام البراهين العلمية التي حاصرته و نزعت منه ملائته السوداء التي أحبها  و التي كانت توفر له  واقع مزيف ملؤه الراحة و الأمان . ثم جاء دارون ليهز العالم من جديد و ليطرح فكرته الثورية و التي أحدثت جرحا أكثر عمقا من الجرح الذي أحدثه الجرح الكسمولوجي لأنها تمس كرامة الانسان بشكل مباشر  ألا و هي " فكرة كون أصل الانسان قرد " فحتى زمن قريب ظلت الكنيسة الكاثوليكية ترفض النظرية الداروينية إلا أنها  رضخت و تم الاعتراف في النظرية عام 2009. أما الجرح الثالث فلقد سببه فرويد نفسه عندما كشف عن ذلك المكون في تركيبنا النفسي و المسماه "باللاوعي " ، فالانسان عدو ما يجهل و اللاوعي هو مكان لا يمكن ادراكه و لا يمكن سبر أغواره و الرغم من ذلك فإن فرويد يدعي انه المكون الأقوى و الأهم في تقرير سلوكنا اليومي كبشر مما أدى لرفض هذه الفكرة و مقابلتها بالنقد . جورج طرابشي ذهب ليضيف لهذه الجروح الثلاث جرح رابع خاص بالوطن العربي يتعلق بالسؤال الأزلي لماذا تخلفنا و لماذا تقدم غيرنا ؟ و ينسبها لجرح نرجسي جديد أسماه ( الوعي الشقي ) و هو فهم ووعي مزدوج لحقيقتنا و لهويتنا ، فماضينا يقول بأننا ( خير أمه ظهرت للعالم ) وواقعنا  يقول بأننا أضعف الأمم ، و بين ماض و حاضر ، بين الفهم المزدوج لذاتنا ، و بين القراءة الشقيه لهويتنا ، يصل الأمر للإنسان لأن ( ينكر قولا ما يقره فعلا ) فيصبح عيشه للحياة شقيا ، و ضميره معذب لأن الاتساق مع الذات مستحيل ، فهو يعرف نفسه على أنه الماضي العالق بالحاضر ، هو لا ينتمي لهذا عالم ، لهذا العصر الشرير العاصي ، هو ينتمي لعالم المثل القديم ، للزمن الذهبي,  ولكنه يضطر لان يساير الواقع  ، لذا نراه ازدواجي منقسم على ذاته و على الآخرين ، و الانسان المنقسم على ذاته انسان مشوش عاجز عن التفكير السليم و بالتالي هو عالق في فقاعة هوائية و غير قادر على العطاء و عاجز عن احداث التغيير. و من صور الوعي الشقي في المجتمع :  الرجل الملتحي لكن أفعاله لا علاقة لها بدلالة اللحية , و صورهم تملئ الصحف اليومية , شكل آخر من أشكال الوعي الشقي هو أن يرسل الرجل المتشدد أبناؤه للدراسة في مدارس أجنبية , أو أن يبدوا شخصا كأنه يعمل في فرقة روك غربية لكنه يصر على أن ترتدي أخته الحجاب , أو أن حتى صورة المرأة التي ترتدي لباسا ضيقا من جلد حيوان بري مع المبالغة بوضع مساحيق التجميل مع تربع الحجاب على رأسها .... 

فما رأيكم بما سبق ؟ هل وفق طرابيشي في تشخيص حالة التناقض التي نراها ؟ و في حالة عدم الموافقة هل يمكن لأحدكم أن يفسر الصور السابق الإشارة لها ؟ 

ليست هناك تعليقات: