"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا" صدق الله العظيم.
تعارفوا و ليس "ليسخروا" أو ليقولوا "الحمدالله
والشكر" أو ليجبروهم على التغيير!! تعارفوا، تناقشوا، استفيدوا وأفيدوا، سواء
من الشعوب القديمة أو المعاصرة، شعوب الشرق أو الغرب، وحتى لو اكتشفوا شعوبا في
كواكب أخرى! لا تحكموا على الناس! فكل تجربة انسانية فريدة، ولكل ثقافة مجتمعية
عيوبها ومزاياها، وعليه فإن من يقرأ مرتديا تاج (انا الأفضل) سيبذل جهدا كبيرا
ليضر الغير، لكنه لن يضر غير نفسه في الواقع، لأنه سيستدعي كل مظاهر
"الغضب" وممكن أن يصل لمرحلة يفقد فيها السيطرة على أعصابه ولن يحرك في هذه الدنيا شيئا، ربما سيخلق نظرة شفقة لدى الغير عليه على أبعد تقدير! بينما
الإختلاف في الحقيقة هو ما يجعلنا ندرك ونتغير وربما ننجح في صنع تجربة انسانية فريدة، تستفيد من الغير وتحترمه، وهكذا يتغير العالم بطريقة عضوية، من دون أن تفرض عليه شيئا ولا تنبس ببنت شفة، لذلك سأتناول في هذا البوست رجل يعد من العلامات البارزة في الهند حديثا، وبعض أفكاره غير المألوفة بالنسبة لنا.
الهند وسادجورو
لا يخفى على أحد أن بلاد الهند تعتبر من أغنى الحضارات في العالم، سواء قديما أو حديثا، فملحمة "المهابهاراتا" التعتبر من أقدم الملاحم في العالم، كما تعتبر من أطولها، إذ تتخطى أبياتها ملحمتي الإلياذة والأوديسة و الكوميديا الإلهية كذلك! كذلك أذكر أنها قدمت للبشرية نماذج انسانية خطت اسمها في سماء التاريخ بحبر من ذهب، مثل غاندي وطاغور. واليوم ذاع صيت شخص في الهند، معروف باسم "سادجورو"، ويعتبره البعض رجل دين بالرغم من أن ذلك الوصف غير دقيق، لأن سادجورو لا يعتبر الهندوسية دين بمعنى التقليدي للدين، إنما مجموعة من الأفكار والارشادات والفلسفة، ويركز على جانب "اليوجا" كطريقة تصوف وزهد وتأمل يهدف من ورائها تحقيق تجربة روحية عميقة، وعلى هذا الأساس أنشئ مؤسسة غير ربحية اسماها (إيشا)، يقدم من خلالها برامج لليوجا في دول عديدة في العالم، ويساهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية المحلية، واليوم أصبحت للمؤسسة مركز استشاري في المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة*.
إذا قمت بطباعة اسم (سادجورو) بالانجليزية sadguru ستجد العديد من الوصلات ومقاطع الفيديو للرجل وهو يتحدث لجمع من الناس، يجيب عن أسئلتهم، ويتفاعل معهم، وقد تابعت شخصيا عددا لا بأس به من مقاطع الفيديو، ولفت انتباهي طريقة تفسيره لبعض الأفكار التي كنت أراها غريبة في الثقافة الهندية ولا أفهم كيف يمكن لإنسان أن يتبناها، مثل مسألة (تقديس البقر) ! فبالنسبة لمن هو قادم من خلفية اجتماعية شرقية/مسلمة، من الصعب جدا تقبل الفكرة لكن سادجورو وضعها في اطار انساني جعلني (أفهم) المسألة بالمشاعر! وسأنقلها كما فهمتها من كلام سادجورو: الحياة في الهند بسيطة جدا إلى درجة أن الانسان ينتج قوت يومه بنفسه، والبيت الذي يعيش فيه المواطن الهندي في الغالب بيت متواضع، من مواد بسيطة، وصغير الحجم بحيث يعيش جميع أفراد الأسرة في مساحة صغيرة وتشاركهم هذه المساحة على الأرجح بقرة يعتمدون على حليبها لارضاع أطفالهم ولعمل مختلف أنواع المأكولات التي تعتمد على الحليب كالجبن واللبن والزبادي...إلخ والحيوان إن عاش مع الإنسان تحت سقف واحد تنشأ بينهما علاقة وفاء وألفة، خصوصا إن كبر الانسان الذي عاش في كنف هذه الظروف وهو يسمع من والديه جملة: " أنظر تلك البقرة التي رضعت من حليبها وأنت طفل" وهنا مربط الفرس وصعوبة أكل لحم البقر بالنسبة لهم لأنهم كما يقول سادجورو يعتبرونها كأم ثانية لهم و"لا تهون العشرة عليهم"!
كذلك من الأفكار التي وجدتها غريبة ولكن تحمل منطقا داخليا مثيرا للاهتمام هي حث سادجورو للآباء والأمهات على عدم احتضان أبنائهم عند مرضهم! ذلك لأن سادجورو يرى بأن الجسم الإنساني آلة عجيبة، يبرمج ذاته ليحصل على ما يريد، فمثلا أثناء الطفولة يتعلم الطفل أن يبكي ويبدو حزينا ليحصل على الاهتمام والرعاية، وهكذا يرتبط الحزن السلبي في الاهتمام الإيجابي، ومع اتقان "تمثيلية الحزن" سيأتي يوم يعجز فيه الشخص عن التمثيل وتصبح السلبية طبع متأصل! كذلك المرض إن تم ربطه بالحب والحنان فإن جسم الإنساني سيبرمج نفسه على عدم مقاومة المرض، لكن إن تركته وحيدا في مرضه عند الصغر، فإن مناعته ستزيد لأن المرض مرتبط بالوحدة والجسد لا يريد أن يكون وحيدا!
أما بالنسبة للحب يعرفه سادجورو بأنه (الجانب الحلو من المشاعر) love is the sweetness of your emotions ، هو لا يعلم أو يمارس، الحب بالنسبة له هو ببساطة "وردة" ! ولا يقتصر على الحب بين رجل وامرأة طبعا، بل يصر على أنه لايوجد شيء اسمه (شريك الروح soulmate) فنحن نولد أساسا بروح كاملة، والزواج له فوائد عديدة لكنه لا يكمل الروح، فإن أحس شخص في وجود فراغ في داخله، لا يأمل في ملئه عن طريق الارتباط بشخص آخر بل في السمو في ذاته نفسها عن طريق التأمل واليوجا.
أخيرا يقف سادجورو عند حافة الإنسانية، ويرفض الخوض في غمار ما بعد، ألا وهو ما هية الله، فمن ناحية يؤكد على أن الله موجود، والدليل في ذلك يقبع في خلقه، فبالنسبة له لابد للخلق من خالق وهو يؤمن بوجوده لكن تلك حدوده، ولايخوض في أي شكل من أشكال العبادات أو الواجبات أو ما هية الله كما ذكرت.
إذا هذا هو سادجورو، وهذه أفكاره كما فهمتها، بقي أن أؤكد على أن العالم يتسع لجميع الآراء والأفكار، فإن لم تقتنع بواحدة، لك الحرية في انتاج غيرها أو انتقادها، لكن لا التجريح أو التقليل من القدر، ففي كل ثقافة هنالك أفكار وعادات غريبة، والانتقاد شيء ايجابي، لكن باحترام، خصوصا إن لم تكن من أصحاب الثقافة نفسها، فابحث في تراثك تجد العديد من الأفكار الغريبة بالنسبة لك أنت قبل الغير! و تصور كيف سيكون شعورك لو تمت السخرية من أفكارك ومعتقداتك ؟!؟!
في النهاية أورد اقتباس لسادجورو وهو: " لا تأخذ الحياة على محمل الجد أكثر من اللازم، فهي مجرد مسرحية في نهاية المطاف"
المصدر:
* https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D8%A7%D8%AF%D8%AC%D9%88%D8%B1%D9%88
إذا قمت بطباعة اسم (سادجورو) بالانجليزية sadguru ستجد العديد من الوصلات ومقاطع الفيديو للرجل وهو يتحدث لجمع من الناس، يجيب عن أسئلتهم، ويتفاعل معهم، وقد تابعت شخصيا عددا لا بأس به من مقاطع الفيديو، ولفت انتباهي طريقة تفسيره لبعض الأفكار التي كنت أراها غريبة في الثقافة الهندية ولا أفهم كيف يمكن لإنسان أن يتبناها، مثل مسألة (تقديس البقر) ! فبالنسبة لمن هو قادم من خلفية اجتماعية شرقية/مسلمة، من الصعب جدا تقبل الفكرة لكن سادجورو وضعها في اطار انساني جعلني (أفهم) المسألة بالمشاعر! وسأنقلها كما فهمتها من كلام سادجورو: الحياة في الهند بسيطة جدا إلى درجة أن الانسان ينتج قوت يومه بنفسه، والبيت الذي يعيش فيه المواطن الهندي في الغالب بيت متواضع، من مواد بسيطة، وصغير الحجم بحيث يعيش جميع أفراد الأسرة في مساحة صغيرة وتشاركهم هذه المساحة على الأرجح بقرة يعتمدون على حليبها لارضاع أطفالهم ولعمل مختلف أنواع المأكولات التي تعتمد على الحليب كالجبن واللبن والزبادي...إلخ والحيوان إن عاش مع الإنسان تحت سقف واحد تنشأ بينهما علاقة وفاء وألفة، خصوصا إن كبر الانسان الذي عاش في كنف هذه الظروف وهو يسمع من والديه جملة: " أنظر تلك البقرة التي رضعت من حليبها وأنت طفل" وهنا مربط الفرس وصعوبة أكل لحم البقر بالنسبة لهم لأنهم كما يقول سادجورو يعتبرونها كأم ثانية لهم و"لا تهون العشرة عليهم"!
كذلك من الأفكار التي وجدتها غريبة ولكن تحمل منطقا داخليا مثيرا للاهتمام هي حث سادجورو للآباء والأمهات على عدم احتضان أبنائهم عند مرضهم! ذلك لأن سادجورو يرى بأن الجسم الإنساني آلة عجيبة، يبرمج ذاته ليحصل على ما يريد، فمثلا أثناء الطفولة يتعلم الطفل أن يبكي ويبدو حزينا ليحصل على الاهتمام والرعاية، وهكذا يرتبط الحزن السلبي في الاهتمام الإيجابي، ومع اتقان "تمثيلية الحزن" سيأتي يوم يعجز فيه الشخص عن التمثيل وتصبح السلبية طبع متأصل! كذلك المرض إن تم ربطه بالحب والحنان فإن جسم الإنساني سيبرمج نفسه على عدم مقاومة المرض، لكن إن تركته وحيدا في مرضه عند الصغر، فإن مناعته ستزيد لأن المرض مرتبط بالوحدة والجسد لا يريد أن يكون وحيدا!
أما بالنسبة للحب يعرفه سادجورو بأنه (الجانب الحلو من المشاعر) love is the sweetness of your emotions ، هو لا يعلم أو يمارس، الحب بالنسبة له هو ببساطة "وردة" ! ولا يقتصر على الحب بين رجل وامرأة طبعا، بل يصر على أنه لايوجد شيء اسمه (شريك الروح soulmate) فنحن نولد أساسا بروح كاملة، والزواج له فوائد عديدة لكنه لا يكمل الروح، فإن أحس شخص في وجود فراغ في داخله، لا يأمل في ملئه عن طريق الارتباط بشخص آخر بل في السمو في ذاته نفسها عن طريق التأمل واليوجا.
أخيرا يقف سادجورو عند حافة الإنسانية، ويرفض الخوض في غمار ما بعد، ألا وهو ما هية الله، فمن ناحية يؤكد على أن الله موجود، والدليل في ذلك يقبع في خلقه، فبالنسبة له لابد للخلق من خالق وهو يؤمن بوجوده لكن تلك حدوده، ولايخوض في أي شكل من أشكال العبادات أو الواجبات أو ما هية الله كما ذكرت.
إذا هذا هو سادجورو، وهذه أفكاره كما فهمتها، بقي أن أؤكد على أن العالم يتسع لجميع الآراء والأفكار، فإن لم تقتنع بواحدة، لك الحرية في انتاج غيرها أو انتقادها، لكن لا التجريح أو التقليل من القدر، ففي كل ثقافة هنالك أفكار وعادات غريبة، والانتقاد شيء ايجابي، لكن باحترام، خصوصا إن لم تكن من أصحاب الثقافة نفسها، فابحث في تراثك تجد العديد من الأفكار الغريبة بالنسبة لك أنت قبل الغير! و تصور كيف سيكون شعورك لو تمت السخرية من أفكارك ومعتقداتك ؟!؟!
في النهاية أورد اقتباس لسادجورو وهو: " لا تأخذ الحياة على محمل الجد أكثر من اللازم، فهي مجرد مسرحية في نهاية المطاف"
المصدر:
* https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D8%A7%D8%AF%D8%AC%D9%88%D8%B1%D9%88