يا إلهي لقد أصاب روحي التنميل، لقد أصاب روحي التنميل! أنا لا شيء من دون عيونه، احتاج إليه ليختار عني، أحتاج إليه ليقول لي من أنا؟ أحتاج إليه ليطعمني ويكسيني، ليقرر لي مصيري،أنه حبيبي، أنه أخي وأخوكم الأكبر، لكن ماهذا الألم الفاتر في عمق كياني؟ ماهذا الصوت الذي يصدر صوتا مبحوحا وكأنه أمضى قرونا يصرخ؟ حقيقتي؟ كرامتي؟ مهما كانت إني أشفق عليها، لكن تلك حدود شعوري، أنا حرة أخيرا، لقد أصاب روحي التنميل، لقد أصاب روحي التنميل...
قوة 1984!
لا أعتقد أن أحدا لم يقرأ رواية 1984 ل(جورج أورويل) فشهرة
هذه الرواية وكاتبها أكبر من أن يمضي الإنسان حياته دون أن يسمع عنها أو على الأقل
عن روايته (مزرعة الحيوانات)، خصوصا في عالمنا اليوم! لابد أن يصادفك
منها إقتباس في الجريدة، أو تغريدة، أو حتى ذكر في مقابلة تلفزيونية سياسية ...إلخ
والسبب في ذلك قد يرجع لعدة عوامل لكن أكثرها قوة برأيي هو أن الرواية تتعامل مع
تلك المناطق المظلمة في عقولنا والتي نعتقد بأنها خارج نطاق إرادتنا: بمعنى أننا
كبشر نعيش اليوم وفق نظام أنشأه أسلافنا- لم نشارك في إنشائه بشكل مباشر- ، وإلى
سن معينة نعتقد بأن ما عرفناه هو "النظام الطبيعي"، بينما في الواقع هو
نظام يديره بشر معاصرون -بغض النظر عن نوع التشريع الذي يعتمد عليه-، لذلك نجد بأن
موضوع الثقة في النظام يظهر بمجرد أن ندرك-وغالبا ندرك بالمقارنة- وهنا تظهر معالم
في المناطق المظلمة، و ستتراوح درجة ثقتنا في النظام حسب درجة الوعي والشفافية
ومركزية السلطة في المجتمع، فكلما زادت مركزية السلطة وقلت درجة الشفافية مع
ارتفاع درجة الوعي ستجد نفسك أمام أزمة ثقة، ويمكننا القول بأنه كلما زاد الوعي
وزادت الشفافية وقل تمركز السلطة: قلت المساحات المظلمة في عقل الإنسان، لكنها لا
ولن تختفي مادمنا بشرا ولن يكون على الأرض مجتمع (طوباوي) على غرار مدينة أفلاطون،
لذلك فالمساحات المظلمة باقية، وموجودة وحقيقية بالنسبة لنا جميعا، وبدرجات
متفاوتة، سواء أدركنا ذلك أم لم ندرك، وفي حال إدراكها يظل لدينا خيارات مثل أن
ننكر وجودها أو أن نمتدحها ونبرره أو نحاربها ونخلق شيء عوض عنها ...إلخ
وهنا يكمن سر قوتها وتمكنها من أسر القارئ وحمله في رحلة التقمص الوجداني.
الرواية باختصار
تفترض الرواية أن النظام الذي سيعيش فيه الإنسان في المستقبل -
المستقبل بالنسبة للكاتب كان عام 1984- هو نظام شمولي شرس جدا إلى درجة أن
المساحات المظلمة فيه التهمت الأفراد وحولتهم إلى مجرد أرقام!!! فكل شيء يخضع
للنظام، ويبرر باسم "المصلحة العامة"، ورمز النظام هو "الأخ
الأكبر" الذي يترأس الحزب الحاكم، ويعرض الشعب لسلسلة من عمليات "غسل
الدماغ"، ويجبرهم على أداء مراسيم الطاعة والولاء حتى بات الفرد يقوم بها
بشكل لا إرادي، كما أنه إعتاد على أن يكون مراقبا 24 ساعة في اليوم،فحتى في
بيته هنالك كاميرات مراقبة تراقب المواطنين وهم يؤدون مراسيم الطاعة والولاء بانتظام،
كما أن الأخ الأكبر أقرب للأطفال من آبائهم وأمهاتم، على سبيل المثال: أقدم
أحد الأطفال في الرواية على الوشاية بأحد والديه عندما نطق أمورا ضد النظام
أثناء نومه، أي أن المعارض حتى على مستوى اللاوعي يتم عقابه في عالم 1984 !!!!
كذلك يربط الكاتب العمل الحكومي والوزارات بمشاعر إنسانية، كوزارة الحب ووزارة
الحقيقة...إلخ ويورد بأن هذا النوع من النظام يجرد الإنسان من كل شيء يجعله
إنسانا، فلا الحب حبا، ولا الحرية حرية، فالحب الوحيد هو حب "الأخ
الأكبر" ، والحرية تخضع للرقابة الصارمة، والحقيقة يتم تصفيتها "بمصافي
الحزب الحاكم"، ولكن وبالرغم من كل ذلك يظل الأمل، ويظل الانسان يحارب نفسه
لينقذ نفسه، وهكذا يجعلنا الكتاب نلتفت لشخص واحد ما بين هذه الجموع، كان يتوق
لأن يصبح "إنسانا"، كان يمضي حياته وهو يتساءل عن العالم المحبوس داخل
الشخص الجالس بجانبه، هل هو كعالمه؟ هل هنالك من يشعر غيره؟ "
فمد يده نحو دفء أشعة الشمس" وخاض تجربة كشف المجهول.
1984 = 2016 ؟
في ظل الثورة الرقمية، بدأنا نشعر وكأن الاتصال الدائم
بالإنترنت هو "نظام طبيعي"، ولا نكلف على أنفسنا حتى قراءة "شروط
الخصوصية" للتطبيقات التي نحملها على أجهزتنا، لا نفكر في "المساحات
المظلمة" ، ونسلم بأن شكل الحياة الحالي أمر مسلم به، وخارج عن إرادتنا، لكن
ما أن نمعن النظر نجد بأن جوهر الرواية وعالم اليوم متشابهان إلى حد كبير، فأنت
وأنا مراقبان، علاقاتنا، شخصياتنا، ميولنا، ذنوبنا، مزايانا وعيوبنا، أفكارنا واعتقاداتنا،
كلها تقريبا مكشوفة اليوم، والشيء المضحك المبكي أن الإنترنت نظام
"عالمي" لكن كل دولة أصبحت تشرع استخدامه وتخلق نظاما مبني على نظام، أي
أنها تخلق"مساحات مظلمة" إضافية على تلك العالمية، ولا نعلم ماهي
"المصفاة" التي تستخدم لغربلتنا، لأن "المصافي" ترتبط
"بالمصالح"، والمصالح تختلف باختلاف "المكان الذي تقف
عليه"! مثلا بيانات مدير إدارة في قطاع حكومي لا تبدو مهمة، لكن
لمن يملك مخطط معين فهذه البيانات مهمة وحساسة! كذلك من المفارقات الغريبة أن
في الرواية هنالك غرفة مهمة جدا في الحبكة، رقمها 101 وطبعا لغة الحواسيب تعتمد
على هذين الرقمين، فهي تنبأ جورج بالمستقبل حقا؟
قوة 1984!
لا أعتقد أن أحدا لم يقرأ رواية 1984 ل(جورج أورويل) فشهرة
هذه الرواية وكاتبها أكبر من أن يمضي الإنسان حياته دون أن يسمع عنها أو على الأقل
عن روايته (مزرعة الحيوانات)، خصوصا في عالمنا اليوم! لابد أن يصادفك
منها إقتباس في الجريدة، أو تغريدة، أو حتى ذكر في مقابلة تلفزيونية سياسية ...إلخ
والسبب في ذلك قد يرجع لعدة عوامل لكن أكثرها قوة برأيي هو أن الرواية تتعامل مع
تلك المناطق المظلمة في عقولنا والتي نعتقد بأنها خارج نطاق إرادتنا: بمعنى أننا
كبشر نعيش اليوم وفق نظام أنشأه أسلافنا- لم نشارك في إنشائه بشكل مباشر- ، وإلى
سن معينة نعتقد بأن ما عرفناه هو "النظام الطبيعي"، بينما في الواقع هو
نظام يديره بشر معاصرون -بغض النظر عن نوع التشريع الذي يعتمد عليه-، لذلك نجد بأن
موضوع الثقة في النظام يظهر بمجرد أن ندرك-وغالبا ندرك بالمقارنة- وهنا تظهر معالم
في المناطق المظلمة، و ستتراوح درجة ثقتنا في النظام حسب درجة الوعي والشفافية
ومركزية السلطة في المجتمع، فكلما زادت مركزية السلطة وقلت درجة الشفافية مع
ارتفاع درجة الوعي ستجد نفسك أمام أزمة ثقة، ويمكننا القول بأنه كلما زاد الوعي
وزادت الشفافية وقل تمركز السلطة: قلت المساحات المظلمة في عقل الإنسان، لكنها لا
ولن تختفي مادمنا بشرا ولن يكون على الأرض مجتمع (طوباوي) على غرار مدينة أفلاطون،
لذلك فالمساحات المظلمة باقية، وموجودة وحقيقية بالنسبة لنا جميعا، وبدرجات
متفاوتة، سواء أدركنا ذلك أم لم ندرك، وفي حال إدراكها يظل لدينا خيارات مثل أن
ننكر وجودها أو أن نمتدحها ونبرره أو نحاربها ونخلق شيء عوض عنها ...إلخ
وهنا يكمن سر قوتها وتمكنها من أسر القارئ وحمله في رحلة التقمص الوجداني.
الرواية باختصار
تفترض الرواية أن النظام الذي سيعيش فيه الإنسان في المستقبل -
المستقبل بالنسبة للكاتب كان عام 1984- هو نظام شمولي شرس جدا إلى درجة أن
المساحات المظلمة فيه التهمت الأفراد وحولتهم إلى مجرد أرقام!!! فكل شيء يخضع
للنظام، ويبرر باسم "المصلحة العامة"، ورمز النظام هو "الأخ
الأكبر" الذي يترأس الحزب الحاكم، ويعرض الشعب لسلسلة من عمليات "غسل
الدماغ"، ويجبرهم على أداء مراسيم الطاعة والولاء حتى بات الفرد يقوم بها
بشكل لا إرادي، كما أنه إعتاد على أن يكون مراقبا 24 ساعة في اليوم،فحتى في
بيته هنالك كاميرات مراقبة تراقب المواطنين وهم يؤدون مراسيم الطاعة والولاء بانتظام،
كما أن الأخ الأكبر أقرب للأطفال من آبائهم وأمهاتم، على سبيل المثال: أقدم
أحد الأطفال في الرواية على الوشاية بأحد والديه عندما نطق أمورا ضد النظام
أثناء نومه، أي أن المعارض حتى على مستوى اللاوعي يتم عقابه في عالم 1984 !!!!
كذلك يربط الكاتب العمل الحكومي والوزارات بمشاعر إنسانية، كوزارة الحب ووزارة
الحقيقة...إلخ ويورد بأن هذا النوع من النظام يجرد الإنسان من كل شيء يجعله
إنسانا، فلا الحب حبا، ولا الحرية حرية، فالحب الوحيد هو حب "الأخ
الأكبر" ، والحرية تخضع للرقابة الصارمة، والحقيقة يتم تصفيتها "بمصافي
الحزب الحاكم"، ولكن وبالرغم من كل ذلك يظل الأمل، ويظل الانسان يحارب نفسه
لينقذ نفسه، وهكذا يجعلنا الكتاب نلتفت لشخص واحد ما بين هذه الجموع، كان يتوق
لأن يصبح "إنسانا"، كان يمضي حياته وهو يتساءل عن العالم المحبوس داخل
الشخص الجالس بجانبه، هل هو كعالمه؟ هل هنالك من يشعر غيره؟ "
فمد يده نحو دفء أشعة الشمس" وخاض تجربة كشف المجهول.
1984 = 2016 ؟
في ظل الثورة الرقمية، بدأنا نشعر وكأن الاتصال الدائم
بالإنترنت هو "نظام طبيعي"، ولا نكلف على أنفسنا حتى قراءة "شروط
الخصوصية" للتطبيقات التي نحملها على أجهزتنا، لا نفكر في "المساحات
المظلمة" ، ونسلم بأن شكل الحياة الحالي أمر مسلم به، وخارج عن إرادتنا، لكن
ما أن نمعن النظر نجد بأن جوهر الرواية وعالم اليوم متشابهان إلى حد كبير، فأنت
وأنا مراقبان، علاقاتنا، شخصياتنا، ميولنا، ذنوبنا، مزايانا وعيوبنا، أفكارنا واعتقاداتنا،
كلها تقريبا مكشوفة اليوم، والشيء المضحك المبكي أن الإنترنت نظام
"عالمي" لكن كل دولة أصبحت تشرع استخدامه وتخلق نظاما مبني على نظام، أي
أنها تخلق"مساحات مظلمة" إضافية على تلك العالمية، ولا نعلم ماهي
"المصفاة" التي تستخدم لغربلتنا، لأن "المصافي" ترتبط
"بالمصالح"، والمصالح تختلف باختلاف "المكان الذي تقف
عليه"! مثلا بيانات مدير إدارة في قطاع حكومي لا تبدو مهمة، لكن
لمن يملك مخطط معين فهذه البيانات مهمة وحساسة! كذلك من المفارقات الغريبة أن
في الرواية هنالك غرفة مهمة جدا في الحبكة، رقمها 101 وطبعا لغة الحواسيب تعتمد
على هذين الرقمين، فهي تنبأ جورج بالمستقبل حقا؟
العيون الخمسة !!!
للتأكيد على أن التشابه ما بين ما سطره جورج وحاضرنا أذكر على سبيل المثال أحد تحالفات (استخبارات الإشارة) الذي لم نسمع عنه إلا بعد 70 سنة تقريبا من إنشائه ويسمى (بالعيون الخمسة) ،وهو يضم وكالات استخباراتية من 5 دول وهم : الولايات المتحدة الأمريكية- بريطانيا- كندا- أستراليا - نيوزلندا، ولا توجد معلومات كثيرة عنه، كما من النادر ذكره في وسائل الإعلام! كانت بدايته في عام 1946 بموجب الاتفاقية الأمريكية- البريطانية والتي كان الهدف الأساسي منها تبادل المعلومات الاستخباراتية الخاصة بالاتصالات ما بين الولايات المتحدة وبريطانيا، خصوصا تلك التي تحدث في الكتلة الشرقية، وانضمت كل من الدول الثلاث الباقية لاحقا، واليوم وبعد تسريباتإدوارد سنودن أصبحنا نعلم أن تحالف العيون الخمسة قادر على التنصت على أي شخص في العالم ، وقراءة بريده الإلكتروني، والاطلاع على بياناته الخاصة ...إلخ، فقد استخدم التحالف أنظمة تجسس مثل "إكس كي سكور" على خوادم متاجر التطبيقات المشهورة، والتي يستخدمها جميع مستخدمي الهواتف الذكية في العالم! كما أنها أوجدت نظام عالمي لرصد البيانات واسمه (إيكيلون)، ويقال بأن التحالف اليوم توسع ليضم 9 دول، لكن لا أحد يستطيع تأكيد هذه المعلومة، وطبعا هذا التحالف الذي سمعنا عنه أما ما خفي فعلى الأرجح أنه أعظم !
إذا...
يبدو أن الخيال لا ينفك يختلط مع الواقع في لعبة الزمن، ولو كان بتحويرات هنا وهناك، فالأخ الأكبر يراقبك فعلا سواء تدرك ذلك أو لا تدركه، ولا نعلم ما هي "المصافي" المستخدمة، فقد تكون اليوم مستهدفا لأنك تكتب في البايو الخاص بك في وسائل التواصل الاجتماعي "ليبرالي" غدا يكون دور "الصحفي" أو "المسلم" ... فهل يطل الأمل على الواقع كما حدث في الرواية؟ وإن حدث ذلك هل تتشابه النهايات؟
مراجع:
- http://aitnews.com/2015/05/22/%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D9%84%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%85%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%87%D8%AF%D9%81-%D9%85%D8%AA%D8%A7%D8%AC%D8%B1-%D8%AA%D8%B7%D8%A8%D9%8A/
https://en.wikipedia.org/wiki/XKeyscore
https://www.privacyinternational.org/node/51