حصل ارنست همنغوي بموجب هذه الرواية على جائزة نوبل في الأدب عام 1954 ، وجائزة بوليترز الأمريكية، تعتبر إلى جانب روايته (وداعا أيها السلاح) من الروائع التي قدمها للأدب العالمي. شخصيا أحببت جو العزلة فيها، وعمقها، وأعتبرها من الروايات القريبة لقلبي .
الرواية :
تخيل نفسك في مرحلة متقدمة من العمر ، وأمام تحدي ضخم ، يمتحن قوتك وصلابة ارادتك، يرجعك بشريط ذكرياتك، ويضعك في مواجهة الموت ! هذه هي الرواية باختصار، موقف واحد عميق، شخصيات قليلة العدد، لكن الموقف والشخصية الرئيسية تمثل حالة انسانية فريدة، فتجد نفسك متصلا بها، تعيش مخاوفها، تتفهم اصرارها وصلابة موقفها، وتتفاعل مع مختلف المشاعر والأفكار التي يفرضها تحدي البحر لانسان وحيد عجنته الحياة وتركت آثارها عليه. هنا يكمن سحر الرواية وقوتها برأيي، في جعلك تعيش موقف واحد بكل تفاصيله من وجهة نظر انسان شارف على النهاية.
بطل الرواية
هو رجل مسن، تكتشف بأنه يمتلك روحا مسكونة بالمغامرة، وهكذا اعتنق البحر، وأي تحدي القي في طريقه منذ شبابه ، يداه ناشفتان وصلبتان كالصخر، يعيش وحيدا ، حياته جافة وبسيطة إلى حد يشبه التقشف، يلفه الصمت والغموض، ويسكن جسده ذكريات مغامراته. أما الشيء الوحيد الدافئ في حياته فهو علاقته بصبي يرافقه في رحلاته للصيد، ولسبب ما كان الصبي يهتم كثيرا لأمره، ففي البداية نجد بأن الرجل كان يعاني من الحظ العاثر في الصيد، ولقد قيل للصبي أن عليه ترك الرجل والبحث عن شخص آخر ليصطداد معه، وبالرغم من رفضه إلا أنه رضخ لرغبة والديه في النهاية! وما شدني في هذه العلاقة هي قراءة مشاعر العجوز تجاه الصبي، فالكاتب لا يصرح بها، بل يجعلك تستشفها من الشخصية، وكما أشرت سابقا فبطل الرواية معتاد على الوحدة وعلى الحياة القاسية، لذ لا تبدو على قسماته أي اشارة لوجود روح ممكن الاتصال بها وجدانيا داخله ، وإن كان المتصل كانت روحا نقية ، فتية، تنظر إليك بتطلع، وتهتم لأمره، فيساورك الشك بأنه يكابر أو لا يعلم بوجود مشاعره أو أنه مكتئب لدرجة لا تهمه الحياة ولا يلمسه شيء فيها! لكنك لا تتأكد من الإجابة إلا عندما يصبح العجوز وحيدا في عمق البحر أمام تحديه الضخم!
ويقال بأن شخصيات همنغواي في رواياته تعكس شيئ من شخصيته الحقيقية، وعليه نذكر بأن همنغواي شارك في الحرب العالمية الأولى والثانية، وحصل على أوسمه في الحربين، كما عمل مراسلا حربيا، وقد مر في حياته بالعديد من التقلبات، والمصاعب، منها انتحار والده، واختاه غير الشقيقتان، وتجارب الصدمات الكهربائية التي كانت مستخدمة لمعالجة الاكتئاب، وبعد قراءة الرواية و التدقيق في شخصية العجوز، يمكننا الاحساس في المعاناة الصامته التي كانت تسكن قلب قوي وروحا جسورة.
ويقال بأن شخصيات همنغواي في رواياته تعكس شيئ من شخصيته الحقيقية، وعليه نذكر بأن همنغواي شارك في الحرب العالمية الأولى والثانية، وحصل على أوسمه في الحربين، كما عمل مراسلا حربيا، وقد مر في حياته بالعديد من التقلبات، والمصاعب، منها انتحار والده، واختاه غير الشقيقتان، وتجارب الصدمات الكهربائية التي كانت مستخدمة لمعالجة الاكتئاب، وبعد قراءة الرواية و التدقيق في شخصية العجوز، يمكننا الاحساس في المعاناة الصامته التي كانت تسكن قلب قوي وروحا جسورة.
التحدي
هي سمكة ضخمة من نوع مارلن ، يصورها الكاتب وكأنها تضاهي العجوز في خبرتها في الحياة، وقد غمزت صنارته بها بعد أن بين لنا الكاتب ماحدث مع الصبي ، ولك أن تستنتج بأن لذلك الموقف أثر في نفس العجوز جعله يزيد اصرارا على التمسك في السمكة الضخمة ليثبت بأنه صياد كفئ وجدير بعاطفة الصبي واحترام أهل القرية، لكن لا يسمح لك الكاتب بأن تتيقن من ذلك ! بل يترك الأحداث تتسارع ، فتنتقل من يوم روتيني في حياة صياد قد يكون مكسور القلب، إلى مغامرة تحبس الأنفاس، وتشغلك بالتفاصيل، مثل يد العجوز المتعبة والممسكة بالخيط، أو حجم السمكة الضخم جدا وقوتها التي استطاعت من خلالها سحب العجوز وقاربه مسافات طويلة! ثم بعد فترة طويلة يأتي سؤال الموت وشريط الذكريات ، وتتجلى الأشياء التي يهتم بها الانسان بحق، وتبدأ بدخول أعماق الإنسان من خلال أعماق البحر، ولك أن تتخيل قراءة هذا الجزأ من الرواية !! ممكن وصفها بأنها مغامرة روحية لا تقل خطورة عن المغامرة التي يواجهها العجوز في العالم المادي، فالوحدة في عمق البحر تزلزل النفس، إما تشحذها أو تنهيها.
نتيجة المغامرة
بعد ذروة الأحداث في البحر، وبعد أن يتحقق هدف العجوز ويظفر بالسمكة الضخمة، لا تنتهي سلسلة التحديات، ولا ينقلك الكاتب من عمق البحر لليابسة فورا، بل يبدأ برسم أحداث جديدة ، مغامرة جديدة ، ضمن رحلة العودة! أول العقبات كان حجم السمكة الضخم والذي يعالجه بربطها إلى جانب مركبه ، ثم يأتي الهدوء، ويدرك العجوز بأنه أصبح وحيدا فعلا، فعندما كانت السمكة على قيد الحياة كان لا ينفك يتحدث إليها! وعندما أصبحت مربوطة بقاربه ظل يتحدث ولكن بشيء من الأسف، ففي السابق كانت تحدي، الآن هي صيد ثمين لا أكثر ولا أقل. ثم تأتي أسماك القرش، تحوم وتحوم وتقضم سمكة العجوز، لكنه لا يستسلم بل يرد عليها ، ويستخدم جميع ما يمكنه استخدامه على المركب كسلاح ضدها! في النهاية يعود العجوز بهيكل عظمي للسمكة فقط! خائر القوى، قبل بزوغ الشمس، فيلقي بجسده على سريره القاسي، بينما يتفحص أهل القرية الهيكل العظيم للسمكة باندهاش. هكذا رسم همنغواي معركة الطبيعة مع الانسان: معركة ضارية، كل من الطرفين تضرر، وفي النهاية ومع اصرار الانسان، خرج بشيئ يشبه التعادل.
تعود همنغواي على رحلات الصيد منذ طفولته، وقد أهداه والده بندقيه استخدنها في النهاية لانهاء حياته المعطاءة. |