يبدو أن الحياة السياسية
في الكويت تدخل منعطفا جديدا , و هناك عدة آراء و تحليلات تحاول أن تفك التشابك
المعقد في الحالة الكويتية , و ما هذه المقالة إلا محاولة متواضعة لإثراء النقاش الدائر حاليا حول هذه
المسألة و عرض وجهة نظري الخاصة في الأحداث السياسية التي أسفرت لنا عن ما سمي ب"
مسيرة الكرامة" .
يقال أنه لفهم الحاضر
لابد من قراءة الماضي , ولإدراك أي موضوع لابد من تحليله في السياق الموضوعي و
التاريخي له, لذلك نبدأ مع السؤال الأتي : كيف تكونت المسيرة الديمقراطية في
الكويت ؟ و ما أهم المنعطفات التي مرت بها؟
بالمقارنة مع محيطها من
الدول تعتبر التجربة الديمقراطية الكويتية الأكثر عراقة , فولادة الدستور الكويتي الحالي
و الذي أصدر في 1962 سبقته 3 محاولات و هي : دستور 1921 , و دستور 1938 , و دستور
1961 . و يرتبط الدستور الكويتي بشكله الحالي بالأمير الراحل عبد الله السالم و
الملقب "أبو الدستور" , فبعد استقلال الكويت من الاستعمار البريطاني في
1961 أوضح الأمير رغبته بأن يكون نظام الكويت ديمقراطيا لذا أصدر مرسوما أميريا
يدعو فيه المواطنين للتصويت لتشكيل المجلس التأسيسي الكويتي في 26 أغسطس 1961 بهدف
صياغة الدستور , مما أسفر لنا في النهاية عن الدستور الحالي , و للتوضيح نذكر بأن
كل من الدستور الأول و الثالث تم إنشاؤهم عن طريق التعيين بينما ترجم الثاني و
الرابع مشاركة شعبية .
و ينص الدستور الحالي في مادته السادسة على أن
" نظام الحكم في الكويت ديمقراطي , السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا, وتكون ممارسة السيادة علي الوجه المبين بهذا الدستور" مما يخرج
الكويت عن التوجه العام الذي سارت عليه الدول المحيطة بها, و يمكن القول أنه في
الحالة الكويتية اجتمعت الإرادة الشعبية مع نخبة سياسية ذات رؤية , مما سمح للكويت
بنقلة نوعيه- تكلف في الظروف العادية صراعات و أثمان باهضة - لكننا كنا محظوظين
بوجود الرجل المناسب في الوقت المناسب, فبالرغم من بعض النواقص التي شابت
ديمقراطيتنا لكنها على الأقل ولدت في محيط ينظر لها على أنها كائن غريب.
و مع تطور المجتمع تطورت الحياة السياسية , سواء
الداخلية أم الخارجية , فعلى مستوى السياسة الخارجية كانت الكويت تلعب دورا
دبلوماسيا بارزا في الوطن العربي مما أكسبها ثقلا يفوق حجمها الصغير , أما على المستوى
الداخلي فقد كان التأثر في القضايا العربية واضح في تشكيل التيارات و الأفكار
السياسية , فكان المد القومي الناصري حاضرا إلى جانب القضية الفلسطينية و أيضا تأثير
الحرب الإيرانية العراقية ... الخ فالمواطن الكويتي تجده دائما يتفاعل مع الأحداث
العربية و ذلك بسبب تمتعه بهامش من الحرية جعلت الإعلام الكويتي و خصوصا الصحافة
الكويتية من أنشط القطاعات المحلية.
لكن كما قلت التجربة الكويتية
لم تكن خالية من العيوب, فقد حل مجلس الأمة حلا غير دستوريا في 1976 ثم عاد في عام
1981 بعد أن تم تغيير عدد الدوائر الانتخابية من 10 دوائر ل25 دائرة برغبة أميرية
, و علق مرة أخرى في 1986 - من دون تحديد مدة معلومة لعودته على عكس المرة السابقة
-مما أفرز لنا "ديوانيات الاثنين" و التي ترجمت رفض شعبي لتعليق الحياة
النيابية , لكن بعد الغزو العراقي أكد الشعب الكويتي على شرعية حكم آل صباح و
بالمقابل رجعت الحياة النيابية للكويت.
أيضا من العيوب التي
ولدت بها ديمقراطيتنا هي كونها عرجاء ! فالكويت كانت تستثني جزءا كبيرا من مكونها
المجتمعي ألا و هو العنصر النسائي , و هو أمر يتعارض مع جوهر النظم الديمقراطية المبنية
على المساواة و العدالة , و في سياق التطور حدثت أكثر من محاولة لتعديل هذا الأمر
, بدأت مع مجلس 1971 عندما قدم النائب سالم المرزوق مشروع بقانون لمنح المرأة حقها
السياسي إلا أنها قوبلت بالفشل لعدم حصولها غلى موافقة البرلمان , و لحق مصيرها كل
المحاولات التي تلتها و التي حدثت في الأعوام : 1975 , 1981 , 1985 , 1986 , 1992
, 1996, 1997.
و أمام هذا الواقع
الغريب و الذي تعرقل فيه الديمقراطية نفسها و تمنعها من التطور وجد أمير البلاد
حينها أنه من الضروري التدخل لحسم المسألة لصالح منح المرأة حقوقها السياسية و
التي في الأساس من صميم متطلبات الديمقراطية, لذلك استخدم الأمير صلاحياته
الدستورية و المنصوص عليها في المادة 71 من الدستور الكويتي و أصدر مرسوما أميريا
لمنح المرأة حقوقها السياسية في 25 مايو 1999 , لكن المادة 71 تقترن بشرط موافقة مجلس
الأمة على المرسوم الأميري و هو الأمر الذي لم يحصل للأسف , و ظلت المرأة الكويتية
دون حقوق حتى 16 مايو 2005 حين منحها مجلس الأمة حقوقها السياسية.
من جهة أخرى نرى بأن الديمقراطية
في الكويت شابها العديد من الممارسة المشوه مثل : عملية شراء الأصوات , والفئوية ,و
الطائفية , و القبلية , مما دفع بفصل جديد من الحراك السياسي الذي يهدف لمعالجة
هذه المشاكل , و جاء الحل عام 2006 مع توصيات اللجنة الوزارية بتقليص عدد الدوائر
من 25 إلى 5 دوائر, و شارك في هذا الحراك عناصر شبابية و تم استخدام اللون
البرتقالي كرمز للحركة.
نرجع للمشهد السياسي
اليوم لنفهمه في ظل المعطيات التاريخية , فمن جانب نرى بأن البرلمان الكويتي
لايزال يحمل نفسا طائفيا و فئويا و قبليا , كما أن السلطة التنفيذية لجأت لحل مجلس
الأمة حلا دستوريا أكثر من مرة في السنوات القليلة السابقة , و برزت عدة قضايا نسبت
"للفساد في الدولة" مثل " قتل الميموني" و التي على أثرها قدم
وزير الداخلية استقالته , و قضية " اللحوم الفاسدة" و " الإيداعات
المليونية " و على إثرها علت المطالبات بإقالة رئيس مجلس الوزراء و تشكيل
حكومة جديدة و هو الأمر الذي تم بالفعل , إذ رضخت الحكومة لمطالب المعارضة و تم
تنفيذها.
كذلك برز دور المحاكم في
تطبيق القانون الكويتي إذ تم تحويل قضايا الإيداعات المليونية , و الطعن في
دستورية مجلس الأمة الحالي و في النظام الانتخابي الحالي , و تم حسم هذه القضايا
من قبل القانون مع تحفظ البعض على الأحكام لكن القضاء في الكويت حفظ قصية
الإيداعات المليونية بسبب قصور في القانون , و بعدم دستورية إجراءات تشكيل مجلس
الأمة السابق , و بصحة النظام الانتخابي الحالي.و بينت بعض المصادر أن الصراع
العلني أيضا صاحبه صراع داخل الأسرة الحاكمة ,
مما ساهم في إدخال الدولة في نفق مظلم, لكن الأمير صرح مؤخرا بأنه "
تم تطبيق القانون على اثنين من أفراد الأسرة " , و أيضا اتخذ الأمير إجراء
آخر و هو استخدام المادة 71 من الدستور لإصدار مرسوم أميري يقضي بتعديل النظام
الانتخابي و يقلل عدد الأصوات المسموح بها للناخب الواحد من 4 إلى 1 مع المحافظة
على شكل الدوائر ال5 , الأمر الذي كشف لنا عن الأحداث المسماة "بمسيرة
الكرامة" .
و بالرجوع لتاريخ الكويت
نرى بأن المسيرة الديمقراطية أساسا لم تبدأ كغيرها من الدول , ففي الظروف العادية
لا يقلص الأمير أو الملك من صلاحياته و لا بأتي بنفسه ببرلمان يحد من نفوذه , لكن
الديمقراطية في الكويت كانت توافقية , كما أن المراسيم الأميرية كانت حاضرة في
تقويم الديمقراطية و المثال الواضح عليه هو سعي الأمير لمنح المرأة حقوقها
السياسية بعد فشل البرلمان بمنحها هذا الحق , و هو واقع غريب جدا و يتعارض مع
المنطق , فالممارسة غير الديمقراطية كانت المتنفس للمطالبة بتعديلات ديمقراطية, و
برفضها تم تعطيل المسيرة الديمقراطية 6 سنوات! أيضا من جهة أخرى نرى بأن الشعب
الكويتي يرفض أن يكون مجرد تابع و عندما تم التعدي على حقه في المشاركة السياسية
شكل ما يعرف بديوانيات الاثنين كجبه معارضة.
في رأيي فإن الحالة
الكويتية كانت و لازالت حالة خاصة , و أن علينا أن نكون حذرين في التفرقة ما بين نوعين
من السلوك الصادر عن السلطة التنفيذية , فالتجربة العملية يثبت أن ليس كل مرسوم
أميري كان تعديا على المسيرة الديمقراطية بل في أحيان كثيرة كان معززا لها و مقوما
للعيوب التي ولدت بها , و عليه فمن الأولى أن نحكم على المرسوم الأميري الأخير حكما
موضوعيا متجردا من كونه في الأصل " ممارسة غير ديمقراطية" و نعتبرها
نقطة إجرائية و نركز على نوع التغيير الصادر عن السلطة التنفيذية , فهل هو لصالح
الديمقراطية أو يعرقلها ؟
شخصيا أجد آلية الصوت الواحد للرجل الواحد تعد
خطوه لصالح الديمقراطية , و تساهم في التقليل من الفئوية و الطائفية و القبلية , و
ترفع من درجة الانضباط في التصويت , و تسفر عن مجلس أكثر جودة , لذلك لا أرى ضررا
في قبول المرسوم الأميري لكسب الوقت و لإكمال مسيرتنا الديمقراطية دون تأخير كما
حدث في منح المرأة حقوقها السياسية, و أعتقد أن الكويت لا ينطبق عليها الشروط التي
أسفرت عن ما يسمى " بالربيع العربي" كونه جاء للتعامل مع نظم جمهورية
مختلفة من حيث المعطيات و التاريخ , فديمقراطيتنا بالأساس توافقية , و لم نمر
بمراحل الانقلاب العسكري أو ما شابهها من مراحل مرت بها الدول الأخرى , كما أن
الكويت تتمتع برخاء اقتصادي و هي دولة صغيرة من حيث الحجم و عدد السكان , و محاطة
بدول عملاقة لذا لابد من التعامل مع الأوضاع بحكمة و التروي قبل اطلاق الأحكام و
ركوب موجة الحماس كي لا تتعثر ديمقراطيتنا.