الخميس، 30 يونيو 2011

الثقافة المدنية

بالرغم من اني لست متخصصه في السياسة المقارنة إلا انني درست مقدمة لهذا الحقل كوني طالبة علوم سياسية , و لقد شدني منذ البداية موضوع الثقافة السياسة كأداة مقارنة بين الدول كما اني حظيت بأستاذ رائع و هو  د. مازن غرايبة الذي جعلني أقدر هذا الموضوع و حثني على البحث فيه , و تكمن أهمية الموضوع بأنه يقدم نموذج عمل framework  قابل للتطبيق و أعتقد انه يتسم بدرجه كبيرة من الموضوعية و الانضباط , و سأتناول في هذا البوست أحد أهم الدراسات التي أدرجت في هذا الموضوع و هي دراسة ( الثقافة المدنية ) .

الكتاب :



صدر كتاب الثقافة المدنية عام 1963 من قبل الباحثين  جبرييل ألموند و سيدني فيبرا و قد شملت دراسة للثقافة السياسية لخمسة آلاف شخص  في 5 دول و هم : بريطانيا – الولايات المتحدة – ألمانيا – إيطاليا و المكسيك ، و كانت عينتهم المستسقاة من هذه الدول تشمل العواصم ،  المدن ،  و القرى. اما الهدف من الدراسة فكان : الكشف عن نمط الثقافة السياسة الأمثل للنظام السياسي الديمقراطي ، و استغرق عملهم خمسة أعوام من التخطيط و العمل  ليظهر عملهم على شكل كتاب مقسم ل13 فصل و  379 صفحة فقدموا فيه أطروحات نظرية مدعمه بالعمل الإمبيرقي الغني و المنظم ، و الذي يجعل الكتاب حتى اليوم بعد مضي أكثر من ربع قرن على نشره لأول مرة ،  يصنف كنموذج يحتذى به للبحث العلمي الاجتماعي .

المنهجية :

 يقدم لنا ألموند و فيبرا منهجية نستطيع من خلالها أن نصنف الثقافات على أنها : مشاركة – خاضعة – أو ضيقة ، فنجد في كتابها جداول توضيحية توضح لنا أبعاد الاتجاهات السياسية ، البعد الأول هو البعد المعرفي " the cognition orientation  " و يقصد في هذا البعد : المعرفة بالنظام ، مدخلاته و مخرجاته ، الأدوار المصاحبة للنظام السياسي و الالتزامات المصاحبة للأدوار السياسية .
أم البعد الثاني فهو المتعلق بالمشاعر و اتجاه النظام السياسي “the affect orientation ، اتجاه أدواره و شخصيته و كذلك يشير هذا المكون لاحساس الفرد بقدرته على التأثير  في و على النظام .
 أما البعد الثالث فمتعلق بالتقييم و الأحكام  : "the evaluation orientation”  و الذي بطبيعة الحال يتضمن تركيبة من المعايير القيمية و  المعلومات و المشاعر  ، فهذا البعد يقيم النظام ، مدخلاته ، مخرجاته ، و تقييم الفرد .
و يورد الكتاب هذا الجدول للتوضيح :


النظام
المدخلات
المخرجات

الفرد
البعد المعرفي
البعد الشعوري
البعد التقيمي








و يوضحان أن هذه الأبعاد المتعلقة بالاتجاهات عند الأفراد ممكن أن يتم الكشف عنها بطريقة منظمة من خلال السؤال عن :
1-     المعرفة التي يملكها الشخص تجاه أمته ، و تجاه النظام السياسي بشكل عام ، التاريخ ، الحجم ، الموقع ، القوة ، الخواص الدستورية ، و ما هي مشاعره تجاه هذه المواضيع ؟ كيف يقيمها ؟ ما هي آراؤه و أحكامه؟
2-     ما مدى معرفته و المامه بالبنى و الأدوار ، و النخب السياسية المتنوعة ، و الاقتراحات السياسية  التي تسيير للأعلى و المستخدمة في صنع القرار السياسي ؟ و ما هي مشاعره تجاه تلك البنى ، القادة ، و الاقتراحات السياسية ؟
3-     ما المعرفة المتوفرة عنده و الخاصة بالسياسة الهابطة ؟ البنى  ، الأشخاص ، و العمليات التي تتم لاتخاذ القرار؟ و ما هي مشاعره و آرائه تجاهها ؟
4-     كيف يدرك نفسه كشخص في نظامه السياسي ؟ ما المعرفة التي يمتلكها و الخاصة بحقوقه ، و قوته ، و بواجباته ، و قدرته على التأثير ؟ كيف يشعر تجاه قدراته ؟ ما هو نسق الذي يعتمده في المشاركة ؟ و ما النسق الذي يعتمده في تشكيله لأحكامه و آرائه ؟
 و على أساس هذه الأسئلة يتم تصنيف الثقافات لثلاثة أنواع : ثقافة سياسية ضيقة parochial ، و ثقافة سياسية خاضعة subject ، و ثقافة سياسية مشاركة participant  ، فالثقافة السياسية بهذا المعنى تشير لدرجة التردد the frequency  للأبعاد المعرفية ، الشعورية ، و التقيمية لدى الفرد ، و في النهاية تم التوصل لثلاث أشكال من أنماط الثقافة السياسية النقية :
الثقافة السياسية الخاضعة
الثقافة السياسية المشاركة
الثقافة السياسية الضيقة (الأبرشية)

اذا كان هنالك توجهات تجاه النظام و تجاه مخرجات النظام لكن التوجهات معدومة في ما يخص دور الفرد بالنظام و مدخلات النظام يصنف المجتمع على أنه ذو ثقافة خاضعة . أي أن الفرد واع و مدرك لأن هنالك حكومة  و لكنه منصاع لها و لقراراتها ، و هي نمط الثقافة المنتشرة في أنظمة الحكم الديكتاتورية  .

عندما يكون هنالك اتجاهات ناحية النظام بمختلف أجزائه –  مع أو ضد  – هي مسألة أخرى لكن وجود الاتجاه بحد ذاته و وجود الأحكام و المشاعر تجاه النظام  مع اعتبار أن الأفراد يمتلكون دور تأثيري على و في النظام السياسي يجعل من  الثقافة السائدة في هذا المجتمع على أنها ثقافة مشاركة. فالأفراد في هذه الثقافة قادرين على التأثير بطرق متنوعة و معرضين للتأثير بطرق متنوعة أيضا .

اذا كان هنالك غياب للأدوار السياسية و غياب لتوقعات الفرد تجاه النظام و عن فعاليته و قدرته لأن يتجاوب مع حاجات الأفراد فإن ذلك يصنف الثقافة السياسية التابعة لهذا المجتمع على أنها ضيقة و كتاب بيل و هاردجريب يشير إلى أن هذا النوع من الثقافات منتشر فى القبائل الأفريقية .فالثقافة الضيقة تعني أن الفرد قد يعي و قد لا يعي بأن هنالك حكومة و هو غير مهتم لا بمدخلاتها و لا بمخرجاتها .


 قد يتساءل القارىء الآن ماذا عن الثقافة المدنية ؟

الثقافة المدنية الاستنتاج الذي توصل له الباحثان عن شكل الثقافة المثالية لبناء المجتمع الديمقراطي ...
و تتكون من معادلة تشمل أنماط الثقافات الثلاثة " المشاركة – الضيقة – الخاضعة " و هي ليست مرادفة للثقافة المشاركة كما يتصور البعض ، فوجود الثقافة الضيقة و الخاضعة و المشاركة ضمن تركيبة  معادلة معين هي التي تضمن لنا نظام ديمقراطي مستقر و ناجح ..... كيف ؟
 طبعا ثقافة المشاركة ضرورية بمعنى أن المواطن يشعر بأن لديه ثقل فالعملية السياسية و أن قادر على التأثير على القرار السياسي ، و لكن ما يضبط الفرد و تصرفاته هو وجود درجة من الاستسلام و التقليدية و الالتزام بالقيم و هي ما تقدمه لنا كل من الثقافة الضيقة و الخاضعة ، فالثقافة المدنية هي مركبة , تمزج ما بين الحديث و القديم لكي تظفر ببيئة متوازنة ،  هي تحافظ على ترسيخ توجه المشاركة نعم ولكنها لا تستبدلها بثقافة المزج بين الثلاث ثقافات.

الثقافة المدنية لا تعني مجتمع مثالي , تعني مجتمع متوازن , مجتمع يعلم بأنه قادر على احداث التغيير إذا تطلب الأمر و مجرد ادراكه لهذا الأمر يجعل أصحاب القرار في هذا المجتمع ديمقراطي يؤمن بالحوار و بتبادل وجهات النظر و المرونه في عملية اتخاذ القرار .

هذا بالنسبة لمنهجية الدراسة و اهم نتائجها , و في بوست آخر سأتطرق للأداة التي من خلالها نستطيع التأثير على الثقافة السياسة بشكل عملي .

الجدير بالذكر أن الباحثان قاما بنشر كتاب آخر في 1980 يعيدان تقييم دراستهما و يمكن الاطلاع عليها لمن أراد التوسع في الموضوع 



ليست هناك تعليقات: