الاثنين، 7 مارس 2016

رواية : الأرض الطيبة


نسيتني؟ أو تتناساني؟ لماذا تتعمد عدم النظر ناحيتي؟ حتى عندما أكون أمامك تشيح بنظرك عني! ما الذي تحمله في داخلك لي؟ محبة طاغية أم شعور بالمسؤولية؟ ولعله التوقير أو الحياء أو اليأس أو الاستسلام أو الألم أو الندم أو الفراغ أو الرغبة في الحرية والتخلص من المسمى الذي ينسبك لي ... أتعلم؟ غير مهم! فأنا هنا، هنا دائما، مني وإلي ستعود، وتحت ما أنتج ستعيش،أنا على مد النظر، أنا القلب النابض قبلك وبعدك يا بني البشر، أنا الأرض، ولا يهم إن نسيتني أو تتناساني ....  


الأرض الطيبة 

هنالك روايات محكمة الاتقان من الناحية الفنية، وأخرى تغوص في أعماق البشر، وأخرى تحمل طابع فلسفي أو نفس ديني أو أيدلوجي ...إلخ وقليل من الروايات التي يمكن القول بأنها تجذبك وتجعلك تستمتع خلال تقليب الصفحات، قليل من الروايات تجعلك شغوفا لإنهائها فتحملها معك في كل مكان، لكي تسرق الوقت لقراءة صفحة أو صفحتين منها، ولا يوجد وصفة أو توليفة أو شيء بعينه يمكن أن ترجع قدرة نص على خلق هذا الشعور عند القارئ، بالطبع ذلك لا يعني بأن جميع القراء سيصابون بنفس الشعور إزاء نص معين، لكن ذلك كان شعوري الشخصي إزائها، وعندما قرأت عنها لاحقا - أحب أن أقرأ أقل قدر ممكن عن الرواية قبل أن أقرأها لكي لا يتأثر تقييمي بما يقال عنها- وجدت بأنها حاصلة على جائزة بوليتزر للآداب عام 1932، كما قيل بأنها كانت سببا في نيل كاتبة الرواية : -السيدة بيرل بك - جائزة نوبل للآداب عام 1938 ! و هي الأولى لسلسلة من الروايات تتبع القصة الأصلية، عددهم 2 - بالاضافة إلى الأولى- الثانية اسمها ( الأبناء the sons) والثالثة (بيت مقسم - A house devided) ، وبدأت أبحث عن هذه الروايات مترجمة لكن من دون أن يحالفني الحظ حتى اللحظة.



الرواية في سطور : نظرة عامة

أن تكون فقيرا ومعدما فترضى بإنسانة ارتضتك زوجا هربا من قدرها المظلم، وتدور رحا الحياة فتطحنكما معا، وتخرجان من كل ذلك ظافرين، كصقر ذهبي ينفض عن نفسه غبار الجمر، لكن الإنسان هو الإنسان، ولو أن الحياة فتت روحين وصهرتهما في واحدة، فهنالك طرق سرية للتمدد والانكماش، أحيانا تظهر مع تغيير الحال إلى حال فيتمدد جزء منك أو منها أو ينكمش، وقد يكون ذلك على شكل استغلال فرصة، أو إجابة سؤال كنت تتهرب من إجابته أو لم تفكر فيه في السابق، أو مستوى جديد من الإدراك أو اليأس ...الخ و قد حصل شيئ من ذلك مع الزوجين، ومرة أخرى تدور رحا الحياة، على طريقة الثقافة الصينية، لكن هذه المرة هنالك عامل الماضي المشترك، والخبرات، وهكذا تظهر أشياء/عوامل جديدة على السطح، منها: الدموع والجروح والراحة والأمل، اليأس، وأنواع جديدة من الجوع، وتأنيب الضمير، ومعالجات  ب"تبريرات المجتمع" ...الخ
وبعبارة أخرى فإن الكاتبة تطرح معالجات لقيم إنسانية كالحب، والتضحية، والعزة، والكبرياء، وأخلاق العمل، وعلاقة الإنسان بالأرض، وبنفسه، وبآلهته، في سياق الثقافة الصينية السائدة قبيل نشوب الحرب العالمية الثانية، وباستخدام عائلة صينية قوامها فلاح فقير، وجارية. 

أسئلة  تثيرها الرواية : الجمال مقابل الحب ؟ 

هل يعد الجمال شرطا أصيلا من شروط الحب لدى الرجل؟ وعندما أقول "الجمال" أقصده من وجهة نظر رجل بعينه، لأن "الجمال يكمن في عيون المتلقي"- أي نسبي ويعتمد على الشخص،  وعليه هل يمكن لرجل أن يحب دون أن يرى المرأة الماثلة أمامه جميلة المظهر؟ أم أن ذلك مستحيل وقد يتطور أي شيء آخر بينهما سوى الحب؟ هل يعتبر ذلك افتقارا للعمق من قبله؟ أم طبيعة؟ هل يمكن للجمال الداخلي أن يشع ويطغي على الخارجي فيعوض عنه؟ أم أن العامل الحاسم هو الثقة؟ فلا يهم شكل المرأة الخارجي أو الداخلي، ولتكن جميلة في عين رجل عليها أن تكون واثقة من نفسها؟ لا مكسورة وخانعة؟ وهل هنالك ما يشفع لامرأة غير جميلة المظهر - من وجهة نظر العامة- وغير واثقة من نفسها بأن تحصل على الحب؟ من وجهة نظري كامرأة فقد لفت نظري هذا الأمر في الرواية، خصوصا في عصرنا الحالي الذي يشدد على قيمة الجمال الخارجي، ويجعل من غالبية النساء "الجميلات" - من وجهة نظر العامة- نسخ عن بعضهن بفضل "عمليات التجميل" فهل هنالك من حب رجل لامراة دون انجذاب لمظهرها الخارجي؟ وهل هنالك ما يعوض الرجل عن الجمال وثقة المرأة بنفسها؟ 


سؤال أخير: أيهما تختار الحب أم الوفاء؟ 

القلب ينبض لمن يحب، وأحيانا يتعارض النبض مع قيم أصيلة في الذات، مع خسارتها تخسر جزء من نفسك/ ذاتك، كما أنك قد تهدم شيئا من أرواح الناس الذين لولاهم ما كنت أنت اليوم! فمن ترجح على من؟ أتقبل أن تجرح من حملك على ظهره حتى أصبحت الأقوى؟ أم تروي ضمأك وتسكت جوعك مستعينا بكافة أنواع التبريرات العقلية والمجتمعية؟ هل تصدق مع ذاتك فتميل مع ميل القلب أم تجبره على الإذعان؟ أيهما تختار الحب أم الوفاء؟ 


وأختم المقال باقتباس من الرواية : " هيا يا امرأة، سنتجه إلى الجنوب (...) فخير للمرء أن يموت وهو يسعى".