السبت، 25 أبريل 2015

تلخيص كتاب : الأخلاق الضائع من المواد الخلقية - د.علي الوردي






عندما انتهيت من قراءة هذا الكتاب الصغير بعدد أوراقه – 55 صفحة فقط- ، القديم بإصداره  – 1958 - ، أدركت بأنه كبير جدا في محتواه، وجريء في طرحه، فحتى بالنسبة للباحثين الحديثين نجدهم يتفادون الخوض في مواضيع "قد تعكر صفو" المجتمع، لكني أرى بأن دراسة جريئة شأنها أن تعكر صفو العقول الراكدة، ممكن أن تدفع بارتداداتها نحو تدفق الحياة في الفكر، الذي بدوره يسقط اليافطات المهترئة التي توارثناها و تعلقنا بها حتى حسبناها حقائق ومسلمات نترجمها لأفعال وسلوك يومي! فبعض الحرائق حميدة ، وبعض اللسعات تحوي ترياقا، وكل ما يقدمه العقل بإخلاص، من حقه علينا ومن حقنا على أنفسنا أن نمعن فيه وأن نتفاعل معه بكل ما أوتينا من روح وفكر وإرادة!
وفي هذا الصدد أحب أن أبدي ملاحظة وهي أننا في الآونة الأخيرة توقفنا عن ملامسة جروحنا، وأصبحنا نبرر معتقداتنا بطريقة واهنة، فنحن "مرتاحون البال والخاطر"، كالأموات نسير على غير هدى وسط الدمار والضوضاء، نريد العلا من غير سهر الليالي، والطامة الكبرى أنه متاح! نعم، متاح ومجزي كثيرا، على المستوى المادي على الأقل! فلتتمعن أخي القارئ كم من النماذج التي تعلو أسماؤها في سمائنا العربية اليوم دون أن يكون لها أي إنتاج حقيقي يحسب؟ وكم من الأسماء التي قدمت شيئا مختلفا إلا أنهم مهمشون، مضطهدون وحتى محاربون؟
 ربما ذلك يرجع إلى أننا نعيش في عالم سريع و المراهنة فيه على الأهداف قصيرة المدى مربح! من جهة أخرى، وهي الأكثر إحباطا، نجد دولنا العربية أصبحت تضيق الخناق على الفكر، وعندما أقول "دول" أقصد حكومات وشعوب، فالحكومات العربية كما يقول عنها د. يوسف زيدان " تريد بقر – مطيع- ولا تريد قرودا  تتنطنط -تفكر –"  أما الشعوب فيبدو أنها تعاني من مشاكل معقدة تجعلها تنهش بعضها البعض بسبب كلمة قيلت هنا أو مقالة نشرت هناك!
وفي ظل  "الخطوط الحمراء المتشابكة "  والتي قد تؤدي بك إما للسجن أو الموت دون مبالغة يضيع الصدق, ويشرد الرأي, ويعم السكون ليلفنا في ردائه ويسحبنا معه للهاوية مبتسمين! لذلك أخي القارئ أتمنى منك أن لا تترك نفسك تتحول لحجر بيد الغير، ودع محرضي الفكر يحرضوننا، فمن كان على أرض صلبة لا يخشى فكرة!

د.علي الوردي

د. علي الوردي غني عن التعريف, فهو عالم الاجتماع المخضرم، صاحب الفكر الذي سطر لنا كتاب "وعاظ السلاطين" الممنوع في بعض البلدان العربية لما فيه من نفس ثوري ضد الاستبداد ، ونصرة للكرامة الإنسانية، فهو من النادرين الذين صقلوا ما من الله به عليهم بالجهد والعمل، لذلك احتلوا مكانة مرموقة في التاريخ، لكن من أراد التوسع يضغط هنا.

الأخلاق الضائعه!

ينطلق الباحث من افتراض مفاده أن لكل مجتمع مبادئ وأخلاقيات تميزه عن غيره،  وأن لكل مجتمع خصوصيته، لذلك فإنه لإدراك علة المجتمعات لابد من دراستها من الزاوية التي تضمن عدم إغفال خصوصيتها، ولما كانت الدراسة تخص المجتمع العراقي ، وجد الباحث بأن المكون الأساسي في رسم ملامحه هما البداوة والحضارة، وعليه بدأ بدراسة الأخلاق التي تميز كل منهما مع التركيز على الجزء الضائع وتعليل سبب ضياعه ، للتوصل لأدق تشخيص ممكن أن يظفر به الباحث.
وأما الانسان البدوي فينظر له الباحث ضمن بيئته الموضوعيه، وذلك ليدركه إدراكا يحاكي الواقع, فهذا الانسان وجد في الصحراء، لا ماء ولا زاد إلا بأمر السماء متى شاءت ! وفي ظل شح الماء، أصبحت الغارات على الغير وسيلة للبقاء مرفوع عن القائم بها الحرج، بل ومحموده! ففي ظل الندرة تحول المعتدي من آثم إلى بطل، وصار السيف رمز للعزة، ولكن من زاوية أخرى نجد أنه بسبب نمط الحياه هذه أيضا, تمتع الشخص المنتمي للبادية بالشجاعة و الصدق والكرم.
ثم يتتبع الباحث مسيرة التغيير التي أصابته من خلال تغير البيئه حوله, فالشجاعة المقرونة بالسلاح أصبحت لا تصمد أمام البنادق، ويذكر مثالا على ذلك أول مرة يتغلغل فيها جيش حضري – العثمانيون – في الصحراء ملاحقين العشائر التي هاجمت العراق في القرن التاسع عشر، وقد انعكس ذلك على سلوك البدو وأدى لأصحاب العشائر لأن تتحول إلى "التسلل إلى الأمصار المجاورة خلسة" دون أن تحاول الاستيلاء عليها، وتدريجيا فقدوا الصفات الحسنة التي امتلكها أجدادهم وبدؤوا نمطا جديدا من الحياة مشوها ومنقسما على ذاته، والسبب الأول في ذلك حسب الدراسة هو : السياسة العثمانية التي انتهجت مبدأ (فرق تسد), فهي جعلت جميع العشائر تحابيها, وتتقاتل مع بعضها في ظلها لكسب الأراضي الأكثر قابلية للإنتاج.كذلك في ظل التحول الذي أصاب القادم من الصحراء، تحول زعيم القبيلة لممارسة دور يشبه دور الإقطاعي مما سلخ المنظومة عن شكلها الأساسي وجعل من طباعها وسلوكها أقرب للمخلوق الهجين الذي أخذ من العالمين ( الماضي والحاضر) أسوء ما فيهما!  

وبالنسبة لسكان المدن في العراق وبحسب الدراسة فإنهم كذلك حملو في أنفسهم ما جعل سلوكهم يفتقر للأخلاق الحميدة, ويلقي الذمب هذه المرة على ضعف الحكومة العثمانية و عدم قدرتها على توفير الأمن, مما سمح بايجاد فجوة في نفوذ الدولة، فتكالبت الجماعات، وتم تقسيم المناطق وفق منطق يشبه المنطق العشائري, وذلك كان جلي حتى على مستوى الأطفال إذ لا يخرجون للعب في منطقة لا تتبع لهم إلا اذا خرجوا كجماعة! ففي ظل غياب الدول أصبح قانون الغاب هو السائد, والسواعد هي الفاصل!
في النهاية يؤكد الوردي على أن الأخلاق الممسوخة ما بين الحاضر والماضي لا تتناسب مع المجتمع العراقي الحالي آنذلك، ويورد مجموعة من الملاحظات مفادها أن مواجهة الذات واجبة لمن أراد المعالجة والتغيير, فهو كما أورد يؤمن بالقاعدة الصوفية ( اللهم افضحنا ولا تسترنا) ، كما يؤكد بأن القسم الأكبر من الحل يكمن في يد الحكومة العراقية, فالنصح والموعظة لا يغيران مافي الأنفس العليلة جراء ما تتنفسه، وعليه على الحكومةإصلاح الظروف الاجتماعية التي يعيش بها الانسان حتى تصلح أخلاقه ، وهكذا يختم الوردي دراسته بالقول " غير معيشة المرء، تتغير أخلاقه".

تعقيب

من المنصف تحميل الأقوى المسؤولية الأكبر في تردي أخلاق الجماعة أو الشعب,ولكن في ظل المجتمع الحديث فإن الحكومة والنخبة المثقفة وطبقة التجار ورجال الدين والاعلام والأسرة :  كلهم مسؤولون، وبحاجة إلى اصلاح.