السبت، 12 يوليو 2014

اختراق الأجهزة الذكية!


ليس خيالا، وليس مرتبطا بناسا أو أي جهة ذات "عروق تحت الماء" كما يقال، بل المبكي المضحك أن الموضوع في متناول يد الجميع تقريباـ وتحديدا أي شخص لديه الوقت الكافي + الرغبة + "مرونة أخلاقية"! فلا أعرف ما سبب الثقة العمياء في "الأجهزة الذكية" والاعتقاد بأنها ليست مهددة من قبل المخترقين ، فكلا الجهازين بات متصلا بالانترنت، ولقد انقضت فترة كافية "لمحبي الأكشن" لتطوير وسائل لمحاكاة الأجهزة الذكية ولادخالها عالم الاختراق! فنحن يروق لنا الفكر التكنوطوبائي الذي يصور لنا جنة بلباس تقني، لكن لكل جنة نقيض وجانب مظلم، والجانب المظلم من تمكنك السريع من الاتصال بملايين البشر بجهاز بحجم راحة يدك للأسف هو تمكن الملايين بالمقابل من دس أنوفهم في حياتك! فما هو الاختراق؟ وكيف يتم اختراق جهازك؟ وما الأبعاد الأخلاقية لهذه العملية ؟ وأخيرا ما هي سبل الحماية؟





تعريف عملية الاختراق :


كلمة اختراق هي ترجمة لكلمة (هاك) hack باللغة الانجليزية، وهي تعني الدخول على جهاز بصفة غير شرعية لكن هنالك اختلاف على المفهوم نتيجة لكون هنالك من يدخل على الأجهزة بصفة غير شرعية بنية عدم الحاق الأذى ويسمون أنفسهم ( هاكرز ذوي القبعات البيضاء) ، أما الذي المخربون فيسمونهم (كراكرز crackers (ذوي القبعات السوداء) وهم من يقدمون على الاختراق بهدف التخريب، طبعا البعض يصور الأمر على أن ذوي القبعات البيضاء هم الأبطال في مواجهة ذوي القبعات السوداء ، وأن من دون النوع الأول لساد النوع الثاني وسيطر على الانترنت، وسنتطرق لهذا الأمر عند الحديث عن الجانب الأخلاقي، لكن من ناحية التعريف كما نرى فإن اللغة العربية تجمع كل من المخترقين من ذوي القبعات البيضاء والسوداء تحت مصطلح "مخترقين" ولا توجد ترجمة لمصطلح cracker وهم ذوي القبعات السوداء فقط.


كيف يمكن اختراق جهازك؟


من خلال اجراء بحث بسيط على محرك قوقل تجد العديد من "المتطوعين" أو "الراغبين بفتل عضلاتهم" والذين يقدمون دروس مجانية على كيفة اختراق الأجهزة وأحدث البرامج التي يستخدمها المخترق وكيفية الاستخدام! وبطبيعة الحال فان معظم "المستعرضين" إما يخفون جزء مهم من عملية الاختراق أو يقدمون طرق اختراق متواضعة نوعا ما مثل اختراق جهاز قام صاحبه أساسا بعمل جيل بريك له أو  جهاز rooted ، أو عمل اختراق لجهاز ممكن أن يكون في متناول يدك كجهاز صديق أو أحد من أفراد العائلة، فاما يستغل ثقتك بأن ينزل برنامج تجسس بينما يبين لك أنه يقوم باتصال، أو عن طريق البلوتوث، أو الاتصال معك في نفس الشبكة! وأحب أن أبدي ملاحظة هنا وهي أنه من بين كل الطرق أعد هذه الأكثر وضاعة ولا ترقى لأن تصنف اختراق تقني لأنها تعتمد بشكل كبير على ثقة الآخرين بك وهكذا يخسر هؤلاء الاعتراف بذكائهم مقابل الاعتراف بقلة تربيتهم!

 ومن خلال التوسع في البحث تجد من يعرض برامج لاختراق تطبيقات شائعة الاستخدام على الأجهزة الذكية كتطبيق "واتس آب" مثل برنامج "واتس أب سنيفر" whatsapp sniffer ، ويصف هذا التطبيق بأنه قادر على الاطلاع على محادثات الواتس آب وسحب الصور من أي جهاز على أن يتوفر رقم هاتف الضحية، وبالرغم من اني أشك في ذلك وأعتقد أنه لو حقيقي يعمل فقط مع الاجهزة التي قام أصحابها بعمل جيل بريك لها لكن عند البحث في الأخبارا تجد ما يفيد بتمكن أشخاص من اختراق الواتس آب فعليا وكمثال عليه تمكن اسبانيين من الاختراق فعلا ! و أعتقد أن ما يصل للأخبار أقل بكثير مما هو موجود فعلا على الواقع على أي حال، ثم أضف إلى ذلك وجود تطبيقات مثل NUMBERBOOK و TRUECALLER والتي تمتلك صلاحيات كبيرة في الاطلاع على معلوماتك الخاصة ومشاركة لائحة الاتصالات مع أي شخص يمتلك البرنامج، نصل لنتيجة مفادها أن امكانية الوقوع كضحية تمس أي شخص! كذلك تجد من يستعرض برنامجه الخاص لاختراق تطبيق البي بي أم ، ومن يبين كيفة استخدام أداة الواير شارك  - أداة تحليل البيانات - لاختراق الأجهزة الذكية !

 أعلم بأني أصور الموضوع بأنه سهل كتعلم الطبخ عن طريق متابعة اليوتيوب، لذا لابد أن أوضح بأنه ليس بهذه السهولة، لكنه كذلك ليس بالندرة التي نتصورها والتي تبرر الثقة العمياء في الأجهزة الذكية، فمن خلال متابعة صفحة متخصصة على الفيس بوك تجد مجاميع تقدم نفسها على أنها تقدم دورات في هذا المجال، وتتنافس في ابهار بعضها البعض في "القدرات الاختراقية"! وكمثال نذكر أكاديمية الهاكرز.

من جهة أخرى تأكد عزيزي مستخدم الهاتف الذكي بأنك مكشوف تماما أمام شركات مزودي خدمة الانترنت وأجهزة مخابرات الدول، ولا يحتاج الأمر برهان، فها هم أصحاب الأسماء المستعارة ينكشفون وتوجه لهم التهم في أمكان متفرقة من العالم، والكويت لا يبدوا بإنها استثناء!

 وطبعا يطيب لنا ذكر حادثة السيدة ميريكل - مستشار الاتحاد الألماني للتأكيد بأن الجميع يتعرض للخطر، ولأن تعبيرات وجهها لا تقدر بثمن في هذه الصورة  :)




الأبعاد الأخلاقية ! 




السؤال الأزلي : هل الغاية تبرر الوسيلة؟ إذ كنت تميل للواقعية ستنظر للعملية على أنها رمادية اللون، فحسب الهدف تحدد موقفك من "المخترق" لكن هذا الموقف أكيد سيضعك في موقف "غير لطيفة عاجلا أم آجلا" لأن ما تراه مبررا مثل " التجسس على شخص تعده تهديد على الأمن" سيراه غيرك " تعدي على الخصوصية وعلى الحريات" طبعا وبالنسبة للأمور الشخصية مثل " التجسس على حبيب سابق" أو "تجسس مدفوع بالشك" قصة أخرى لها تشعباتها الشائكة أكيد،  لذلك ينأى البعض بنفسه ويفضل أن لا يكون عرضة لازدواج المعايير ويقف جملة وتفصيلا ضد عملية الاختراق، ولا يأبه بالتصنيف "قبعات بيضاء/سوداء".


شخصيا لا أرى نفسي وأنا أمنحها الحق في سبر أغوار الآخرين من خلال التعدي على خصوصيتهم تحت أي مسمى، لكني أتفهم ضرورة وجود ذوي القبعات البيضاء لإيجاد نوع من التوازن في عالم الانترنت، فالحجة التي تذهب إلى أن دون ذوي القبعات البيضاء ستعم الفوضى حتما، ولن يكون هنالك من يقف في وجه المخربين والمحتالين منطقية بالنسبة لي، لكن يبقى تحديد "المخرب والمحتال" هو الفيصل! فهل المحتال هو من يسطو على نظام بنكي؟ أو من يدخل على نظام الأمني لدولة "مارقة" ؟ وأمام هذا التعقيد نصل لنتيجة مفادها: القوة دائما تجلب معها التعقيد والمسؤولية!

 سبل الحماية  


للأسف لا تتوفر طرق حماية مضمونة 100%، فحتى استخدامك للتشفير والبروكسي قد يمنع البعض لكن ليس الكل على ما يبدو، وأعتقد أنه من الضروري القيام بعملية فورمات قبل تنزيل برامج الحماية والتشفير، و ستجدون بعضا منها على هذا  الرابط ، لكن بما أن لا ضمان حقيقي فأنصح المتعلقين بخصوصيتهم بأن يشتروا كاميرا صغيرة للتصوير، وهارد ديسك متنقل لحظ الملفات، وجهاز غير مرتبط بالانترنت للتواصل، أي يعودوا بضع خطوات إلى الوراء في الزمن، أليس التواصل  الحقيقي في الواقع أجمل من التواصل الرقمي السطحي على أي حال؟! :)



الثلاثاء، 8 يوليو 2014

في ادارة الأزمة الكورية (1950-1953)


من الورقات البحثية التي نلت عليها الدرجة الأعلى في الفصل، أنشره على أمل المساهمة في الفائدة العامة: 


مقدمة
يشهد حقل العلاقات الدولية اهتماما متزايدا بعلم ادارة الازمات الدولية وذلك لما يوفره من أساليب وتكتيكات قد تنعكس ايجابيا على أداء صناع القرار السياسي، إلا أن الأدبيات العربية لاتزال متواضعه  في الالمام في هذا العلم، لذلك تهدف هذه الورقة للمساهمة في اثراء المكتبة العربية، كما تهدف لفهم الأزمة الدولية، و التعرف على كيفية ادارتها من منظور علم ادارة الأزمات الدولية.
لتحقيق ذلك سيتم رصد عملية ادارة الأزمة الدولية في حالة الأزمة الكورية (1950-1953) فمن ناحية نجد أنها أولى افرازات الحرب الباردة التي أدت إلى نزاع مسلح  بين المعسكرين الشرقي و الغربي، مما أكسبها بعد أعمق لأنها حدثت أثناء حرب مستمرة، وشارك فيها أطراف عديدة، بعضها كان مباشر والبعض الآخر غير مباشر، لذلك تعد مادة خصبة لتتبع آليات وتكتيكات الإدارة التي اتخذتها الأطراف ولتقييمها على ضوء النتائج التي أسفرت عنها ضمن السياق الموضوعي للأحداث.
 سيتم تناول النقاط التالية :
1-    مفهوم الأزمة الدولية .
2-    مفهوم الأزمة التي تحدث اثناء وجود حرب مستمرة  an intra crisis war  .
3-    تحديد الأزمة المتناولة في هذا البحث .
4-    السياق التاريخي و الموضوعي للأزمة الكورية .
5-    تطور أحداث الأزمة .
6-    الكيفية التي بها أديرت الأزمة
7-    نتائج الأزمة .
8-    تقييم لإدارة الأزمة .





v                     أولا : مفهوم الأزمة الدولية :
هنالك عدة مدارس تحاول أن تعرف مفهوم الأزمة  ، أذكر منها : مدرسة "الاتجاه الهيكلي" و هي تعالج مفهوم الأزمة من ناحية تأثيره على عناصر النظام الدولي الأربعة – الوحدات ، البنية ، قواعد العمل المتفق عليها ، و العمليات -  ، و البعض ينتقد هذه المدرسة بأن ليس كل ما يؤثر على هذه العناصر في الواقع يسبب أزمة !  أما الثانية فهي تعالج مفهوم الأزمة من منطلق " ادراك صانع القرار " ، فتعد الأزمة كذلك إذا ما أدرك صانع القرار بأن الموقف الذي يتعامل معه هو موقف أزمة. و هنالك عدة تعريفات تحاول شرح الأزمة من هذا المنطلق الأخير منها :
  تشارلز هيرمان فيعرف الأزمة الدولية على انها  " موقف يحمل : 1- تهديد لأهداف ذات اهمية قصوى لدى وحدة  صنع القرار  ، 2- تقييد للوقت المتاح للرد على الحدث قبل تبدأ عملية بلورة القرار السياسي  ، 3- مفاجأة لأعضاء وحدة اتخاذ القرار بمجرد حدوثها " [1]
و هو يختلف عن تعريف مايكل بريتشر الذي يرى بأن موقف الأزمة له ثلاثة ملامح أساسية  ممكن أن تستقى من البيئة الداخلية أو البيئة الخارجية ، و هي مدركة من قبل صانع القرار السياسي :
1-    تهديد لقيم أساسية : اما أن تهدد أكثر من قيمة في وقت واحد أو أن يتم تهديد قيم الدولة واحدة تلو الأخرى"تباعا"
2-    احتمال كبير لاستخدام الخيار العسكري لفض النزاع .
3-    الوقت الذي يتوفر لصانع القرار لاختيار قراره في موقف الأزمة يكون محدود finite time [2]
أما روبنسون هيرمان فيرى بأن  " الأزمة هي موقف تتوفر فيه ثلاثة خصائص : عنصر المفاجأة ، عنصر التهديد لقيم اساسية ، و وقت قصير لاتخاذ القرار " [3] و الجدير بالذكر بأن هذا التعريف شائع الاستخدام في الأدبيات التي تتناول الأزمة الدولية .
أما المدرسة الأخيرة فهي تعالج مفهوم الأزمة من ناحية امكانية تطور الموقف لأن يتطور و يصبح موقف حرب .
جامس ريتشاردسون  حاول أن يخلط ما بين الاتجاهات الثلاث ليعرف الأزمة على أنها :
"صراع حاد بين دولتين أو أكثر ، ويرتبط  هذا الصراع بقضية محددة ، و تنطوي على تصور من جانب صناع القرار بأن هذا الموقف يبلغ من الخطورة التي تخوله بأن يتطور ليصبح حربا " [4]

هذا البحث يتناول المفهوم التالي للأزمة الذي يمزج ما بين التعاريف الثلاث للأزمة لكنه يركز على مدرسة صانع القرار السياسي :
فالأزمة هي موقف مدرك من قبل صانع القرار بأنه  يسمح بوقت محدود   لعملية اتخاذ القرار . 3- يتوفر فيه عنصر المفاجأة 4- و احتمال كبير للجوء للقوة العسكرية . 5- و كذلك فإن هذا الموقف يحمل  تهديدا  لقيم أساسية لدى الدولة . و الشرط الأخير الذي نستعينه من المدرسة الهيكلية هو أن الأزمة تحدث ما بين دولتين أو أكثر .
v         ثانيا : مفهوم  الأزمة التي تحدث أثناء وجود حرب مستمرة  :
مايكل بريتشر يذهب بأن هنالك بعض الحالات التي قد تحدث أثناء الحرب المستمرة من الممكن أن  تسفر عن موقف أزمة . بكلمة أخرى فإن بريتشر يعتقد بأن حدوث موقف الأزمة ليس مقصورا على  الأوقات التي لا يكون فيها قتال فعلي ، فتاريخيا هنالك مواقف حدثت اثناء حرب مستمرة  و حملت لبعض أطراف الأزمة العناصر الأربعة المكونة لموقف الأزمة – وقت قصير لاتخاذ القرار ، تهديد لقيم اساسية ، مفاجأة ، احتمال كبير للجوء للقوة العسكرية –  . [5] و يحدد بريتشر المسببات – the triggers  - التي قد تؤدي لحدوث ازمة أثناء حرب مستمرة بالشكل التالي :
1- دخول طرف جديد و مهم أثناء حرب مستمرة .
2- خروج طرف مهم من حرب مستمرة .
3- التصعيد الإلكتروني أثناء الحرب : أي استخدام التكنلوجيا المتطورة في الحرب مثل استخدام القنبلة الذرية في هوروشيما.
4- تصعيد من نوع آخر : مثل غزو الحلفاء لأوربا عام 1944 سبب أزمة لألمانيا .
5- خسارة حرب مهمة من وجهة نظر صانع القرار .
6- تصور عند صانع القرار بأن هنالك احتمال كبير بدخول دولة ما للحرب  . [6]
و سوف يتم الاستعانه بهذا المفهوم  لتفسير بعض التطورات التي حدثت في الحرب الكورية .
v         ثالثا : تحديد الأزمة :
الأزمة بدأت الساعة الرابعة صباحا من يوم 25 يونيو عام 1950 عندما اجتاحت القوات العسكرية التابعة لكوريا الشمالية خط عرض 38 [7]  في اتجاه كوريا الجنوبية ، و لقد سبب هذا الموقف أزمة للجانب الغربي و خصوصا للولايات المتحدة  .  و الجدير بالذكر بأن طبيعة الأزمة التي نحن بصدد الحديث عنها هي طبيعة معقدة ، فالأطراف المباشرة في الأزمة ( كوريا الشمالية و كوريا الجنوبية ) لم يكونا حاصلين على الاعتراف الدولي الكامل بسيادة أي منهما على كوريا كاملة - بالرغم من تأسيس حكومتان في شمال كوريا و جنوبها  إلا أن  الاتحاد السوفيتي اعترف  بحكومة كوريا الشمالية كالممثل الشرعي لكوريا بأكملها  في 12 أكتوبر 1948 بينما اعترفت الأمم المتحدة بحكومة كوريا الجنوبية على أنها الممثل الشرعي لكوريا بأكملها  في 11 ديسمبر 1948 [8]  -  لذا فإنه من الناحية القانونية تعد  الحرب الكورية   ( حربا أهلية ) ، و لكن من ناحية عملية فإن كلتا الدولتان أعلنتا تأسيسهما و كل من هما كان له حكومة خاصة و نظام سياسي خاص . و من جهة أخرى فإن هذه الحرب تعد كذلك من حروب الوكلاء proxy wars - - [9]التي كانت شائعة  في فترة  الحرب الباردة و ذلك لرغبة كل من الاتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة من تجنب المواجهة المباشرة بين بعضهما ، فالاتحاد السوفيتي و جمهورية  الصين الشعبية وفرتا الدعم لكوريا الشمالية ، و مدتها بالأسلحة ولكنهما تجنبا الدخول بشكل مباشر في الحرب – لكن الصين الشعبية دخلت الحرب لاحقا – أما الولايات المتحدة فلقد دخلت الحرب فعلا لكن  ليس بصفتها دولة الولايات المتحدة الأمريكية بل كجزء من قوات الأمم المتحدة، و سنتطرق لتفصيلات أكثر في هذا الموضوع في الصفحات اللاحقة .
أخيرا نتطرق لاسم النزاع فكأي حدث تاريخي فبتعدد الاطراف غالبا ما تتعدد التسميات ايضا و تختلف ، ففي كوريا الشمالية تسمى الحرب رسميا "بحرب تحرير الأرض "  ، أما في كوريا الجنوبية فتسمى "بحرب 25-6" نسبة لليوم الذي اعتدت فيه كوريا الشمالية على كوريا الجنوبية لكن رسميا تسمى الحرب -Hanguk jeonjaeng  - أي الحرب الكورية باللغة الهانغولية ، أما في الولايات المتحدة فتسمى " النزاع الكوري " و سيتضح لاحقا سبب هذه التسمية، و في الصين تسمى " حرب مقاومة أمريكا و مساعدة كوريا " . تسمى أحيانا بالحرب المنسية لأنها تقع ما بين الحرب العالمية الثانية و حرب فيتنام . ولكن عموما يشار إلها اليوم على أنها الحرب الكورية. [10]
الأطراف المعنية بالأزمة :
الأطراف المباشرة : كوريا الشمالية ، كوريا الجنوبية ، الأمم المتحدة ، و لاحقا أصبحت الصين طرف مباشر في الحرب .
الأطراف غير المباشرة : الولايات المتحدة الأمريكية ، الاتحاد السوفيتي ، الصين .

v         رابعا : السياق الموضوعي و التاريخي للأزمة
الأزمة حدثت كما سبق و أن أشرنا في بداية البحث في سياق دولي حرج إذ أنه و بمجرد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها بدأت تتوضح ملامح عالم جديد مغاير لعالم الدول الاستعمارية . فبريطانيا بدات تخسر مكانتها كصاحبة القوة المطلقة ، و بدأ التنافس ما بين الاتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة على ملئ تلك المكانة ، و ما الحرب الكورية إلا من افرازات هذا التنافس ، و هي أول المواجهات العسكرية ،  المباشرة  التي تمت ما بين معسكر الشرق و الغرب ، فلقد سُبقت هذه الحرب بعدد من الحوادث التي دلت على وجود جو من التوتر و التنافس بين الدولتين ، مثل : التدخل كل من الطرف السوفيتي و الأمريكي في الحرب الأهلية اليونانية 1946-1949 [11]  التي على أثرها تبنت الولايات المتحدة مبدأ ترومان ، و حصار برلين الذي تم في الفترة ما بين 24-6-1948 و 11-5-1949 [12] كذلك من الأحداث التي دلت على هذا التوتر تأسيس حلف النيتو –NATO- العسكري في 1949 .  أما على المستوى الاقليمي فلا بد و أن نذكر بأن أول تجربة نووية للاتحاد السوفيتي كانت في تاريخ 29 أغسطس عام 1949 في منطقة بالاتنسك الواقعة في كازاخستان  و هكذا استحقت أن تكون المنافس للولايات المتحدة التي كانت قد سبقتها في الحصول على هذه التقنية في 1945 . [13] و لقد حسمت الحرب الأهلية الصينية لصالح ماوتسي تونج في عام 1949 و هكذا أصبح الصين دولة شيوعية . أما على المستوى المحلي  فلقد تقاسمت القوتين العظمتين شبه الجزيرة الكورية عند خط عرض 38 ، و هو الخط الذي اتفق كل من الجانب الأمريكي و السوفيتي على الوقوف عنده و عدم التوغل باتجاه الآخر .في ديسمبر 1945 تأسست " اللجنة الأمريكية السوفيتية المشتركة " بناءا على توصيات مؤتمر موسكو لوزراء الخارجية ، و لقد كان الاتفاق هو أن تكون كوريا تحت الوصاية المشتركة لهذه اللجنة بهدف المساعدة على انشاء حكومة ديمقراطية في كوريا . [14]
اللذي حصل هو أن كل من الطرفين في فترة الوصاية  عمل على تأسيس حكم موال لأيدلوجيته في القسم الخاص به  فعهد لكيم آل سونغ الشيوعي بتأسيس حكومة شيوعية في شمال كوريا و بالمقابل عهد لسينجمان ريي لمعادي للشيوعة بأن يأسس حكومة على الطراز الغربي في الجنوب ، إلا أن الشعب الكوري الذي ذاق مرارة الاحتلال الياباني لم يكن مستعدا لتحمل احتلال آخر لذا بدات تظهر مجموعة من الاضطرابات و أعمال العنف في القسم الشمالي ، و لم يسلم القسم الجنوبي كذلك من أشكال المعارضة للتواجد الأجنبي إذ  تأسس المجلس التمثيلي الديموقراطي الذي كان مناهض للتواجد الأمريكي [15]، و أمام هذا الوضع عرضت الولايات المتحدة الأمر على الجمعية العامة في الأمم المتحدة 17-ستمبر-1948  و لقد أوصت بالتالي :
" (أ) قيام انتخابات عامة في الاقليم الكوري بأكمله قبل يوم 31-3-1948 .
(ب) تكليف لجنة مكونة من تسعة أعضاء من هيئة الأمم المتحدة بالاشراف على هيئة الانتخابات ثم مساعدة النواب الكوريين بعد ذلك على وضع الدستور و تكوين الحكومة المرجوة " [16]
 لكن الاتحاد السوفيتي لم يكن موافق على هذا الاقتراح و يعلل البعض سبب معارضة الاتحاد السوفيتي  بأن سكان الجنوب هم ضعف سكان الشمال[17] لذى فإن فرصة فوز ريي – المعادي للشيوعية -  أكبر من فرصة فوز سونغ – الشيوعي  – لذا حدثت الانتخابات بالشطر الجنوبي فقط في 10-5- 1948  و أسفرت عن فوز سيجمان ريي [18].  بعد ذلك في فترة قصيرة لا تتجاوز العامين خرجت كلا القوتين من المنطقة  تاركةً المجال لريي و سونغ لكي يعملان على اعادة توحيد الكوريتين على طريقتهما ، فعلى مدار 1949-1950 حصلت مجموعة من المناوشات على الحدود بين الدولتين لكن الشمال غير طبيعة هذه المناوشات في 25-6-1950 لندخل في الحرب الاهلية الكورية . [19]
v         خامسا : تسلسل أحداث الأزمة :
كيم آل سونغ كان مصمما على اعادة توحيد الكوريتين حسب شروطه لذا لجأ للاتحاد السوفيتي و الصين ليؤمنا له الدعم. ففي منتصف  1949 زار تونغ موسكو ليطلب من ستالين  المساعدة في شن تدخل عسكري موسع على كوريا الجنوبية ، ستالين في البداية أبدى الممانعة و ذلك خوفا من أن يجر هذا العمل الولايات المتحدة للمنطقة بالاضافة فإن القوة النسبية للجيش الكوري الشمالي لم تشجع ستالين على الموافقة،  لكن كيم آل سونغ لم يفقد الأمل و راح يجهز جيشا يعمل كآلة حربية في كوريا الشمالية .[20] في هذه الأثناء ظهر دين اتشيسون وزير خارجية الولايات المتحدة في مؤتمر صحفي أمام النادي العالمي للصحافة في 12-1-1950 و " و لقد استثنى كوريا الجنوبية و تايوان من (جمهورية الصين الوطنية ) من "محيطالدفاع " الأمريكي في شرق آسيا " [21] ، و البعض يقول بان هذا التلميح فهم من قبل الاتحاد السوفيتي على أنه ضوء أخضر للتدخل في كوريا ، ففي 30-1-1950 بعث ستالين ببرقية لكيم آل سونغ يخبره عن نيته بتقديم المساعدة ، و بعد عدد من الزيارات التي قام بها سونغ لموسكو في شهري مارس و أبريل وافق ستالين على الهجوم . و في 25-6-1950 (-24-6-1950 بتوقيت كوريا -) بدأ الاجتياح الكوري الشمالي و بعد حوالي ثلاثة  أيام سقطت عاصمة كوريا الجنوبية  سيول  بيد الشيوعيين. ستالين و سونغ ظنا بانهما ربحا الحرب و انهما حققا نصرا استراتيجيا للشيوعية .
في الصين تخلف ضابط السي آي أيه  دوجلاس ماكيرنان عن اللحاق ببقية المبعوثين الأمريكان العائدين لبلادهم ، و قام بجمع معلومات مهمة تشير إلى اقتراب وقوع حرب على كوريا الجنوبية ، و مع إن ماكيرنان لقي حتفه بالقرب من أحد قبائل التبيت إلا أن ملفاته تم إيصالها للمسؤولين الأمريكان من قبل معاونيه قبل 13 يوما من تاريخ الهجوم الشيوعي العسكري [22]، لكن هذه المعلومات تم تجاهلها و ظهر دين أتشيسون أمام مجلس الكونغرس في  20 -6-1950 ليعلن أنه لا يوجد احتمال لوقوع حرب في كوريا . [23]
في 25-6-1950  كان هاري أس ترومان في زيارة لمسقط رأسه (ميزوري)  و لقد ورده اتصال من دين أتشيسون يطلعه على الأحداث و يحثه على العودة ،  الجدير بالذكر ان الجملة التي قالها ترومان بعد أن نزل من الطائرة مباشرة لمعاونيه المنتظرين هناك كانت " أقسم بالله ، سوف أجعلهم ينالونها ! " [24] و هو تعبير باللغة الإنجليزية يقصد به التوعد بالرد الشديد .
 و لقد كتب ترومان  في مذكراته لاحقا بأنه عندما كان في الطائرة كان يفكر بضرورة وقف المد الشيوعي – كان واضحا أنه كان يخشى من سقوط كوريا في يد الشيوعية  و هو الأمر الذي أثر في قراره – فلقد كتب بما معناه أن :
المد الشيوعي إذا لم يتم إيقافه فسيتجرأ ليصل إلى مشارف الولايات المتحدة و كذلك سقوط كوريا يعني بأن تلك الدول المجاورة لها و الصغيرة لن تتحلى بالشجاعة الكافيه للوقوف في وجه الشيوعية .[25]
و هنا يتضح لنا بأن ترومان كان حاضرا في ذهنه الفكرة التي عرفت لاحقا بنظرية الدومينو ، فلقد كان قلقا من أن تتوالى الاسقاطات بعد السماح للشيوعية بالحصول على كوريا الجنوبية .
 لاحقا شكلت مجموعة من كبار مسؤولين وزارة الخارجية و الدفاع  للتباحث في الرد المناسب للأزمة ، و لقد كان واضحا خلال المناقشات أن الهدف كان تجنب الوقوع في نفس الخطأ الذي وقعت فيه بريطانيا في محاولتها لصد ألمانيا النازية - اذ تبنت بريطانيا في سياستها الخارجية مبدأ "الاسترضاء" -  لذا أصروا على أن يكون ردهم أكثر صرامة [26]، و لتجنب أي مضيعة للوقت تم تسمية الحرب الكورية " النزاع الكوري " لكي لا يطر ترومان للحصول على موافقة الكونغرس و تم اللجوء لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتوفير الغطاء الشرعي للتدخل العسكري الأمريكي في كوريا و بسبب غياب ممثل الاتحاد السوفيتي جاكوب مالك [27] الذي كان محتجا على عدم تحويل مقعد الصين للحكومة الشيوعية الجديدة أضاع الطرف السوفيتي  فرصة استخدام حق الفيتو  و أصدر مجلس الأمن قرار 82 و بعد يومين أصدر قرار 83 و الذي على أساسه تم التدخل العسكري الغربي في كوريا ، و عهد للجنرال ماك آرثر أمر قيادة قوات الأمم المتحدة.[28]
بسهولة سيطر ماك آرثر على زمام الحرب خصوصا بعد الانزال البرمائي للجنود الأمريكان في منطقة أتشيسون في 15 -9  ، فلقد تم قطع الامدادات عن جيش كوريا الشمالية و هكذا تقهقر الجيش كوريا الشمالية إلى ما وراء خط عرض 38 ، و السؤال كان هل يستمر ماك آرثر باتجاه كوريا الشمالية ؟ أم يقف عند خط عرض 38 ؟ لأسباب تتعلق بهيبة الولايات المتحدة اتجه ماك آرثر ليعبر خط 38 في 7-10-1950 [29]، و لقد تم التقدم من خلال استخدام الشرعة الدولية و هو قرار رقم 84 . الصين في هذه الأثناء أبلغت المجتع الدولي أنها ستعتبر دخول قوات الأمم المتحدة كوريا الشماليه تهديد لأمنها القومي و لن تتردد بحمايته ،  لكن ترومان أعتقد بأن هذه تهديدات فارغة و هدفها ابتزاز الأمم المتحدة ، لكن يبدوا بأن الطرف الأمريكي أساء تقدير التهديدات الصينية !  فبحلول شهر أغسطس كان الجيش بقيادة ماك آرثر قد وصل  لمشارف نهر اليالو القريب من حدود الصين . و في زيارة قام بها ترومان ليرى قواته في كوريا أبلغه مااك آرثر بان القوات الأمريكية ستعود للوطن قبل موسم الأعياد و لم يكن يتصور بانه في  هذه الأثناء نجح الجيش الصيني التطوعي  بعبور نهر اليالو و أصبح طرف مباشر في الحرب و لقد حدثت أول اشتباك بين الطرفان في 29- أكتوبر –1950 [30] كان من الواضح بعد دخول الطرف الصيني بأن طبيعة ميزان القوى قد تغير و أصبح الطرفان شبه متكافئ بالقوة ، و هذا ما جعل البحث عن قنوات دبلوماسية لحل الأزمة أمرا ضروريا .
1951 و تحديدا نهاية شهر يونيو كان هنالك فرصة للوصول لاتفاقية هدنة وصفها أتشيسون آنذلك بانها كانت 50/50 . ففي بداية شهر يوليو أوضح ماوتسي تونغ بأن بلاده ستحتاج من 10- 14 يوم لاعداد لائحة المطالب و الخوض في المفاوضات ، و كانت اتفاقية الهدنة الأولى في الحرب هذا في 27-نوفمبر-1951 لكن بسبب مشكلة تبادل أسرى الحرب – بعض الأسرى من كوريا الشمالية و الصين أوضحوا بأنهم لا يريدون العودة لبلادهم رفضت الولايات المتحدة تسليمهم – مما دفع للطرفين بأن يستأنفوا القتال مرة أخرى . [31] آيزنهاور وصل للرئاسة الأمريكية في 1953 ، و ستالين توفى في مارس من نفس السنة  و لقد لجأ آيزنهاور للتهديد باستخدام القنبلة الذرية  عن طريق الوسيط الهندي . فجون فوستر دولس  في شهر مايو 1953 نقل رسالة تهديد للصين مستخدما رئيس الوزراء الهيندي نيهروا [32]، و هو العامل الذي جعل الصين توافق على الهدنة ، و  تم التوصل لاتفاقية وقف اطلاق النار في 27- 7-1953 .

v   سادسا :ادارة الأزمة :
الأزمة :
هذه الورقة تذهب لتتعامل مع الحدث الأول و هو تحديدا عبور خط 38 من قبل قوات كوريا الشمالية لكوريا الجنوبية   على أنه عامل مفجرلموقف أزمة بالنسبة للغرب و تحديدا للولايات المتحدة بأبعاد  الأزمة الثلاث المدركة من جانب صانع القرار السياسي  . فكما حددنا سلفا بأن الأزمة عبارة عن موقف يحمل في طياته تهديد لقيم اساسية ،   عنصر المفاجاة ، وقت محدود لاتخاذ القرار ، و احتمال كبير للجوء للقوة العسكرية  ، و يجب أن تكون هذه الشروط مدركة من قبل صانع القرار السياسي ، و هو الأمر الذي تم فعلا في الموقف الذي حدث في 25-6-1950 بالنسبة للجانب الأمريكي ، فهاري أس ترومان أدرك الحدث على أنه يمثل تهديدا لقيم أساسية أمريكية ، و أنه تحدي سافر لها لابد و أن توقفه ، لذا شعر صاحب القرار بانه يواجه وقتا محدودا في عملية صنع القرار ، كان حدث مفاجأ بالنسبه له ، وواضح منذ البداية بأن احتمال اللجوء للقوة العسكرية كان واردا. ولنؤكد على أن هذه الأزمة تعتبر كذلك من وجهة نظر صانع القرار نذكر قول الجينرال فيرنون والترز نائب المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية  في الأزمة الكورية  : " لو أن جاسوسا سوفيتيا تابعا لشرطة أمن الدولة (كي جي بي ) تسلل إلى داخل البانتجون أو وزارة الخارجية الأمريكية في 25 حزيران / يونيو 1950 ، و استطاع وضع يده على أكثر ملفاتنا سرية لتبين له أن الولايات المتحدة الأمريكية ليس لها أي قدر من المصالح في كوريا ، غير أن المكان الوحيد الذي ماكان ممكنا لمثل هذا الجاسوس أن يقتحمه هو عقل ( الرئيس) هاري ترومان . " [33] و هو الأمر الذي يؤكد بأن الوضع في كوريا المفترض بأنه لا يمس اهتمامات الولايات المتحدة ، ولكن لأن صاحب القرار كان هاري أس ترومان لذا فإن ردة الفعل الأمريكي جاءت لتتعامل مع الموقف على أنه موقف أزمة .
كذلك  تم استيفاء الشرط الموضوعي لكي نقول بان هذه الأزمة هي أزمة عالمية من خلال كونها حدثت ما بين أطراف دولية متعددة .
.  ثم تتعامل مع : حدث دخول الصين على أنه سبب موقف أزمة تحدث أثناء الحرب - an intra crisis wars  -  ، فحسب ما تم عرضه بريتشر يذهب إلى ان دخول دولة كبيرة لساحة المعركة يعد سببا لنشوء موقف أزمة للجانب الآخر ، و في المقابل عبور ماك آرثر لخط عرض 38 سبب أزمة للمعسكر الشيوعي و خصوصا للصين بمفهومها التقليدي الذي سبق و أن أشرنا له ، فلقد شعرت الصين بأن هنالك قيم أساسية تتعرض للتهديد من جراء الفعل الذي قامت به الولايات المتحدة ، فكوريا تشترك مع الصين حدوديا ، و ليس من مصلحة الصين أن تتشارك حدوديا مع دولة خاضعة لنفوذ الولايات المتحدة ، و لقد بلغ أوج التوتر الصيني عندما تم الوصول لمشارف نهر اليالو ، فصاحب القرار السياسي شعور بأن عليه اتخاذ قراره و بسرعة ، و لقد كان تصور اللجوء للقوة العسكرية كذلك حاضرا في عقل صاحب القرار الصيني .

ادارة الأزمة :
قبل الدخول في تفاصيل الكيفة التي أديرت بها الأزمة لابد و أن نشير إلى ن ادارة الأزمة تتضمن درجة من التنافس بين طرفين أو أكثر  لتحقيق الأهداف الخاصة  ، و هنالك  وجهتا نظر مختلفتين يحاولان شرح ادارة الأزمة الناجحة ، الأولى تذهب إلى أن الإدارة الناجحة للأزمة تعني الخروج من الأزمة على شكل الطرف المنتصر ، بعبارة أخرى فإن الهدف من ادارة الأزمة هو تقليل الخسائر و تعظيم المكاسب بأقل جهد و تكلفة ممكنة .أما المدرسة الثانية  فتذهب إلى أن الهدف من الإدارة هو تجنب الحرب ، أي أن كل العمليات التي تتم و التي يتبعها أطراف الأزمة الهدف منها هو تجنب المواجهة المسلحة .
و هو بلا شك كان هدف الطرفين الكبيرين الاتحاد لسوفيتي و الولايات المتحدة ، فبسبب السلاح النووي تكون عامل الردع بالنسبة للدولتين ، لذى سعى الطرفان لأن يبتكروا طرقا جديدة لإدارة أزمتهما ، فذهب الاتحاد السوفيتي للعمل من وراء الستار و التأثير بالمجريات من خلال التاثير على حلفائه " وكلائه " ، أما الولايات المتحدة فلقد أدارت أزمتها بطريقة مبتكرة  ، فلقد اتجهت للشرعة الدولية ، و أمنت لنفسها الذريعة القانونية للتدخل العسكري في كوريا ، لذا من الناحية القانونية فإن الولايات المتحدة لم تدخل الحرب، الولايات المتحدة كانت جزء من قوات الأمم المتحدة ، لكن عمليا فإن الولايات المتحدة شكلت  أكثر من نصف قوات الأمم المتحدة .
في الصفحات التالية سيتم رصد الاستراتيجيات التي اتبعت من قبل أطراف الأزمة و ذلك تبعا لتسلسلها الزمني :
1-    استراتيجية رسم الخطوط (استراتيجية دفاعية)   : بما أن الجو السياسي العالمي العام كان مشحونا بالتوترات قام أتشيسون بالظهور أمام النادي الصحافي العالمي لكي يوضح موقف بلاده و ليتفادى أي مشاكل مستقبلية  قد تحدث ما بين الاتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة ، فليس من المعقول أن يصرح أتشيسون و يبن المناطق الخاضعة لمحيط الدفاع الأمريكي دون أن يكون له هدف ؟ و ممكن أن نقول بأن هذا العمل يعتبر إدارة من وجهة نظر معينة و هي أن الإدارة الجيدة عموما تحاول أن تتنبأ بالمشاكل المستقبلية و تعمل على منع حدوثها ، طبعا هذه النقطه هي محل خلاف لأن البعض يذهب بأن نطاق الإدارة يشمل الوقائع التي حدثت فعلا  ، فكيف تدير حدث لم يقع أساسا ؟ و في المقابل هنالك وجهة نظر أخرى و من مؤيديها الاتحاد الأوربي يرى بأن منع الأزمات المستقبلية هو من علامات الإدارة الناجحة و يدخل في نطاق الإدارة ، و بغض النظر  عن صحة هذا الإدعاء فإنني أعتقد أنه و من وجهة نظر أمريكية كان العمل الذي قام به أتشيسون يعتبر إدارة للأزمة  لأنه كان يهدف لتفادي أي أزمات مستقبلية ، و أكرر بأن النقطة الأساسية هنا هي : هدف الطرف الذي قام بالفعل ، أي الولايات المحدة لماذا صرحت هذا التصريح ؟ ممكن أن نقول بأن الولايات المتحدة تعمدت إغفال كوريا لكي يحدث سوء الفهم فعلا و بذلك تظفر الولايات المتحدة بموطئ قدم قريب من الكتلة الشيوعية .  أو أن الولايات المتحدة ببساطة شديدة كانت تريد أن تتفادى أي سوء فهم مستقبلي ولكنها أخطئت في التعبير ، و هو السيناريوا المرجح باعتقادي ، فالسناريوا الأول يقرب لأن يكون مؤامرة صعبة الاثبات و أنا شخصيا لا أؤمن بهذه النظرية ، و أعتقد بأن فيها مبالغة و خيال لا يحاكي الواقع . فهذه الورقة تذهب إلى أن الهدف من فعل أتشيسون هو تجنب اي مشاكل مستقبلية  .  لكن كما يذكر ألكزاندر جورج فإن من مثالب هذا التكتيك الذي يستعمل من قبل المدافعين أنه قد إذا  تم اغفال نقطة معينية  ،  و يفهم هذا التقصير  أخضر، و هو السيناريو الذي حصل بالضبط في الحاله الكورية ، فخطاب أتشيسون لعب دورا مضللا و أدى للطرف الشيوعي بأن يحسب حسابات حرب كانت أبعد ما تكون عن الواقع ، فالحرب المتوقعة من الطرف الشيوعي  كانت خسائرها ضئيلة و نتائجها مضمونه  و لن تستغرق وقتا ، بينما الحرب التي حدثت جرت الولايات المتحدة للمنطقة و الصين ، و أصبح الطرف الشيوعي في موقف جديد .

2-    استراتيجية الأمر الواقع " استراتيجية هجومية " :  في شرحه يبن ألكزاندر جورج بأن هذه الاستراتيجية تتبع في حالة الاعتقاد بأن الخصم ليس " ملتزما بالدفاع عن الوضع الحالي " ، و في الحالة الكورية نرى بان الكتله الشيوعية كانت واثقة من ان الولايات المتحدة لن تتدخل في حال تم الهجوم على كوريا الجنوبية ، و الدليل على ذلك بأن ستالين لم يعطي الموافقة لكيم آل سونغ إلا بعد أن صرحت الولايات المتحدة على لسان أتشيسون بالمناطق التي هي خاضعة لحمايتها ! و هنا جاء التقدير الشيوعي و بدات عملية حساب التكاليف و النتائج التي ستحققها الحرب و التي كانت منذ البداية حسابات خاطئة لانها بنيت على سوء فهم ، فالحسابات الشيوعية كانت على الشكل التالي  : الاستخبارات السوفيتية كانت متغلغلة في كوريا الجنوبية  و لقد وصل إلى ستالين معلومات تفيد بأن كوريا الجنوبية بعد خروج الولايات المتحدة هي دولة ضعيفة و تمثل لقمة سائغة بالنسبة لحليفتها كوريا الشمالية التي عملت على تجهيزها و دعمها بالسلاح ، لكن العامل الرادع كان تخوف الكتلة الشيوعية من تدخل أمريكي يقلب الموازين و يغير الحسبة ، و  جاء خطاب أتشيسون ليفهم كضمان للنتائج المحسومة لصالح الكتلة الشيوعية لذا تم اللجوء لاستراتيجية الأمر الواقع التي تضمن للطرف المهاجم نتائج سريعة ، و مرضية ، فكما يقول ألكزاندر إذا تأكد المهاجم بأن المدافع ليس ملتزما بالدفاع عن الوضع الحالي فإن اللجوء إلى هذه الاستراتيجية لا يعد الأكثر فاعلية فقط و بل و أيضا تضمن بأن نسبة المجازفة ستكون محدودة  و تمنع حصول أي تصعيد غير مرغوب به . [34]

3-    الاستراتيجية التي وردت بعد ذلك أعتقد بأنها اغتنام لفرصة سانحة أكثر منها استراتيجية ، فالولايات المتحدة كانت تواجه معضلة و هي أنها لا تريد أن تواجه الاتحاد السوفيتي ولكن في نفس الوقت أرادت أن تلقن الشيوعية درسا و أن توقف طموحهم التوسعي ، و لما كان مجلس الأمن حديث الولادة ، و كان الاتحاد السوفيتي قد دأب على مقاطعته ، مع غياب لتمثيل الصين الشيوعية  ، نرى أن الولايات المتحدة قد اغتنمت هذه الفرصة لتستخدم مجلس الأمن كمظلة شرعية لها ، فلم تترك الفرصة أو المجال لكي يتدارك الاتحاد السوفيتي خطؤه الجسيم في التخلي عن حق الفيتو ، فلقد أصدر مجلس الأمن قراره رقم 82 في 25-6-1950[35] أي في نفس اليوم الذي اندلع فيه الحرب ! و بعدها بيومين فقط أعلن عن اصدار قرار 83 الذي بموجبه تم السماح لاستخام القوة العسكرية في تسوية الأزمة ، و عندما وصل ماك آرثر لخط 38 أصدر قرار 84 في27-7-1950 [36] و في نفس يوم اصدار القرار عبر ماك آرثر خط عرض 38 ! و هكذا نرى الاستغلال الكامل للوضع الذي كان موجودا أصلا و هو غياب كل من الاتحاد السوفيتي و الصين الشيوعية عن مجلس الأمن .


4-    طبعا نحن وضحنا بأن الولايات المتحدة استخدمت  أو استغلت مجلس الأمن و هي ما تم ( تحت الطاولة ) إذا صح التعبير ولكن ( فوق الطاولة ) و امام العالم فإن مجلس الأمن سعى لإدارة الأزمة من خلال تبنيه استراتيجية "الدبلوماسية القسرية " [37]استراتيجية دفاعية : الكزاندر يفسر هذه الاستراتيجية بأنها  " سلسلة اجراءات محدودة تتضمن احتمال استخدام القوة مالم يخضع الخصم لمطالب المدافع " و هي الاستراتيجية التي تبنها مجلس الأمن ، ففي قراره الأول رقم 82 طالب مجلس الأمن كوريا الشمالية بوقف كل أعمال العنف و الانساحب خلف خط عرض 38 فورا ، بعد يومين كان تجاهل كوريا الشمالية واضحا اذ تقدم الجيش باتجاه سيول ، لذا اجتمع المجلس مرة أخرى ليصدروا قرار رقم 83 و الذي بموجبه سمح بالتدخل العسكري في كوريا . طبعا لأن الذي استخدم الاستراتيجة كان الأمم المتحدة لم يتضمن  الأسلوب أو الاستراتيجية  تهديدا صريحا باستخدام القوة و هو أحد الأركان الاستراتيجية ، لكن تم تحديد مطالب واضحة ، و تم تحديد زمن الاستجابة المطلوبه و هو " حالا " [38]، ثم في القرار 83 نجد بانه ذكر بانه " يجب التصدي للعدوا" مما يوحي باستخدام القوة .

5-    استراتيجية رسم الحدود " استراتيجية دفاعية " : مرة اخرى تظهر هذه الاستراتيجية ولكن هذه المرة تستخدم من قبل الطرف الصيني ، فالصين أوضحت بأن أمنها القومي خط أحمر و أن احتلال كوريا الشمالية سيعتبر تهديد لامنها ، و في تعريف استراتيجية رسم الخطوط يذهب ألكزاندر إلى أنها " تحديد المصالح الأساسية التي يعد المساس بها مدعاة للتصعيد "[39] . إذا نرى بأن هنالك تطابق ما بين الاستراتيجية كما أوضحها ألكزاندر و كما وجدت في واقع الأزمة الكورية . و الجدير بالذكر بأن الصين لجأت لأطراف ثالثة لكي تؤكد أنها جادة تماما في كلامها، فلقد نقلت قنوات دبلوماسية بريطانية و هولندية للجانب الأمريكي نية الصين بالدخول لساحة المعركة إذا ما تم تجاهل طلبها ، كما طلب وزير الخارجية الصيني (زهو إن لاي) من السفير الهندي ( ك.م بانيكار) آنذلك باقناع الحكومة الهندية أن تبلغ واشنطن نيتة الصين الحقيقية بدخول الحرب[40]  إذا ما استمر تجاهل تحذيراتها . لكن هذه الاستراتيجية لم تحقق الهدف المرجو منها ، فلسبب أو لآخر استقبل الجانب الأمريكي هذه التهديدات على أنها فارغة و أن الصين لن تتجرأ و تتحدى الشرعة الدولية ، و كل ما تفعله هو مجرد كلام و حيلة لاستفزاز و ابتزاز الأمم المتحدة ، إلا أن  ماو كذلك فكر " خارج الصندوق " لاحتواء أزمته ففتح الباب للجيش التطوعي ، و نفذ تهديده بدخول الحرب .

6-    الولايات المتحدة لجأت للأمم المتحدة لتدين هذا العمل و لقد تدخلت ثلاثة عشر دولة من آسيا و الشرق الأوسط لتطلب من الصين التوقف عند خط 38 لكن كما رأينا في تطور الأحداث الصين رفضت الوقوف و استمرت في اتجاه كوريا الجنوبية . و هكذا حاولت الولايات المتحدة صد هذا العدوان على ساحة المعركة و ممكن أن نقول أن الولايات المتحدة هنا حاولت اعادة تعريف الموقف لصالحها ، و دخلت في سلسلة من الأعمال المحدودة و المنتقاه لتصعيد الموقف لكي تتسنى لها فرصة اعادة التنظيم ، و هي الاستراتيجية التي يعرفها الكزاندر جورج بأنها " التصعيد المحدود و المقرون بالعمل على ردع الجانب الآخر من التصعيد . [41]

7-    المفاوضات : تم اللجوء لهذه الاستراتيجه في ادارة الأزمة بعد أن أدرك الطرفين بأن تكلفة الحرب عالية و أن ميزان القوى تقريبا متساو ، إذ جاءت خطاب يعقوب مالك في 23 يونيو 1951 [42] ليقترح خيار الهدنة ، و لقد وافق الأطراف المعنية على هذا الاقتراح ،  لكن الذي حصل مجموعة من التعقيدات أهمها مشاكل تبادل أسرى الحرب منعت الاستراتيجية من أن تحقق للطرف الشيوعي أهدافه من الاقتراح ، فلقد قرأ ت الكتلة الشيوعية الواقع قراءة صحيحية و ذهبت إلى أن أفضل خيار لها هو التفاوض على نقاط أساسية تهمها مثل : طرد الولايات المتحدة من المنطقة ، و كذلك كرسي الصين في الأمم المتحدة كان احدى المكاسب التي فكر فيه الجانب الشيوعي ، و نستطيع القول بأنها خطوة برجماتية اتخذها الطرف الشيوعي تكيفا مع الواقع و كمحاولة أخيرة للخروج ولو بمكسب متواضع  من الوضع الحالي أمام الطموح الذي كان يتصوره في بداية الحرب و هو ضم كوريا الجنوبية لكتلة الشيوعية .

8-    استأنف القتال بعد تلك المرحلة و فشلت جميع الاستراتيجيات في أن تحقق انتصار لطرف معين إلى أن جاء آيزنهاور للسلطة ، و هنا جاءت الاستراتيجية التي حسمت الموقف ، فراح آيزنهاور ووزير الخارجية  جون فوستر دويل يلمحان بامكانية استخدام السلاح النووي ، فلم ينفوا أو يؤكدوا ماكانت الصحافة الأمريكية تروجه من إمكانية اللجوء للقنبلة الذرية كحل أخير [43]، و ممكن أن نقول بأن آيزنهاور استخدم تقنية " التخمين " أو " جس النبض " و هي حسب ما ورد في كتاب جور " هو عمل محدود قابل للتراجع عنه " [44] ولكن عندما لم تلق هذه التلميحات أي ردة فعل من الجانب الشيوعي استخدمت الولايات المتحدة استراتيجية التهديد ولكن طريقتها لم تكن مستفزه ، لأنها تمت بسرية تامه ، فحتى اليوم لا يعلم الكثير بأن آيزنهاور قد هدد فعلا باستخدام السلاح النووي ، و أعتقد أنها كانت خطوة جريئة و فيها نوع من المراهنة من قبل الطرف الأمريكي ، فموت ستالين فتح نافذة صغيرة للمغامرة ، و العامل الأساسي فيها كان الوقت ، فأنا كالولايات المتحدة سأهدد الصين في هذا الوقت الحرج و الصين عليها أن تأخذ أمر موت ستالين المفاجئ بالحسبان ، و كذلك لا ننسى بأن الاتحاد السوفيتي لم يكن قد طور صواريخ قادرة على حمل الرؤوس النووية للولايات المتحدة ، فالصين عليها أن تفكر جيدا و تنظر للموقف بتمعن فمن المتضرر الأكبر إذا ما نفذت الولايات المتحدة تهديدها  ؟ الصين طبعا لأن الرد السوفيتي قد يأتي متأخرا ، و بذلك تتحمل الصين الكلفة الأكبر ،  و هكذا نرى بأن المخاطرة برفض الاذعان للولايات المتحدة و لطلبها كان ذو تكلفة عالية بسبب التوقيت ! فستالين توفى يوم 5 مارس1953 [45]وسط اسئلة و نظريات مؤامرة تقول بانه مات مسموما ؟!؟ لذا فهو وقت حرج و استفادت منه الولايات المتحدة عندما  قامت بخطوتها في مايو 1953 .


9-    استخدام طرف ثالث محايد لنقل التهديدات : بشكل عام رأينا بأن كل من الولايات المتحدة ، و الصين لجأت لطرف ثالث للتواصل فيما بينها ، و لقد لعب الطرف الهندي دور مهم في نقل المعلومات حيث أنه كان حلقة الوصل الضائعة في نقل نية الصين بدخول الحرب و نية الولايات المتحدة في استخدام القنبلة الذرية .  

الإدارة من خلف الستار : دور الاتحاد السوفيتي :
أما الاتحاد السوفيتي فلقد أدار الأزمة من خلال وكلائه ، لذلك لم يتردد اسمه كثيرا في الصفحات السابقة ، ذلك لأنه كان العامل المستتر طوال فترة الأزمة ، ولكن تأثيره كان قوي جدا لأن كلا كوريا الشمالية و الصين كانتا خاضعين لنفوذ ستالين ، و لم يتحركا و يقوما بأي خطوة إلا بعد أخذ موافقة موسكو . فلقد أرسل كيم آل سونج رسالة لستالين في 1-أكتوبر-1950 يطلب منه المساعدة أو السماح للصين بأن تمد كوريا الشمالية بالمساعدة  [46]  و لقد ظهرت اليوم ملفات و رسائل سرية ملحقة في نهاية البحث تبن بأن ستالين كان المنسق و المحرك لمعظم الأحداث التي جرت ، منها تدخل الصين في الحرب فلقد كان بسبب اقناع ستالين لماو بأن يدخل الحرب [47] ، ففي الرسالة المرفقة نرى بأن ستالين راح يشجع ماو و يطمأنه إلى أن القوة الصينية –السوفيتية أقوى من تلك الأمريكية – الأوربية . [48]
 و من وجهة نظر سوفيتية بحته  كان  الطرف السوفيتي  يواجه معضلة  ، ففي أوقات معينية من تطور الأحداث كان موقعه كقائد للكتلة الشيوعية مهدد ، خصوصا بعد عبر ماك آرثر خط 38 باتجاه كوريا الشمالية ، فنكيتا خرشوف ذكر في مذكراته لاحقا بأن ستالين كان يخشى المواجهة  المباشرة مع الولايات المتحدة و أنه قد قال بأنه لن يرسل قوات سوفيتيه حتى ولو تم هزم كيم آل سونغ [49] لكنه كان يعلم بأنه ملتزم بالدفاع عن الصين و ذلك بموجب معاهدة الصداقة والتحالف والمساعدة المتبادلة التي وقعت في فبراير 1950 [50]

و بشكل عام يمكننا القول بأن التحاد السوفيتي كان يواجه معضلة ، ففي أوقات معينة كانت مكانته كقائد للكتلة الشيوعية تتعرض للاختبار و الضغط ، و من جهة أخرى كان الاتحاد السوفيتي يسعى لأن يتجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة لأن ذلك قد يعني حربا عالمية ثالثة . لذا استمر في ادارة أزمتهم بهدوء و من وراء الستار ،  فلم يصرح الاتحاد السوفيتي بانه دخل الحرب مع إن الطيارين الذين وصلوا لميدان المعركة لدعم الصينيين هم من السوفييت [51]  و الجدير بالذكر بأن الدعم السوفيتي لم يكن بالقوة التي أرادها و تصورها ماو مما أغضب الصين . و عموما لقد نسق الاتحاد السوفيتي  ما بين أطراف الكتلة الشيوعية لكن من غير أن يبن ذلك للطرف الأمريكي .
و من جهة أخرى راح السوفييت إلى العمل الدبلوماسي و سعوا  لاستغلال حجمهم و ثقلهم في النظام الدولي ليرفضوا قرارات مجلس الأمن لكونها غير شرعية و لم تستوفي شرط موافقة جميع الأعضاء بسبب غياب الاتحاد السوفيتي و الممثل للصين الشعبية ، كذلك فإن الذي بادر بالاعلان عن رغبة الشيوعيين بالتفاوض كان أيضا  الاتحاد السوفيتي[52] لكنهم لم يقوموا بأي عمل يخالف الشرعة الدولية صراحة .


v         سابعا : نتائج الأزمة :

الولايات المتحدة حققت هدفها من الحرب و هو منع الكتلة الشيوعية من الحصول على كوريا الشمالية ، و حصلت على موطئ قدم استراتيجي في آسيا ، فبموجب هذه الحرب أصبحت اليابان مكانا للتمركز العسكري الأمريكي في المنطقة ، و في المقابل فإن ستالين رأى في الحرب انقطاع لما يسمى باللغة الروسية دوفيري - - doverie أي الثقة ، و الإيمان الحسن في العلاقات الغربية الشرقية [53]  الحرب أدت لموت 10 ملايين شخص تقريبا [54] من كل الأطراف ، و لقد ألحقت بخسائر كبيرة مادية و نفسية بكلا الكوريتين ، إلا أن تعافي كوريا الجنوبية كن أسرع من تعافي كوريا الشمالية من الناحية الاقتصادية ، فلقد استطاعت أن تنافس اليابان في منتجاتها الالكترونية و السيارات و ذلك في فترة السبعينات و بداية الثمانينات .[55] و الجدير بالذكر بأن هنالك بعض الأطراف التي استفادت من الحرب مثل : تركيا فبموجب مساعدها التي قدمتها في هذه الحرب  أصبحت عضو في حلف النيتو [56] أخيرا أذكر بأن الحرب فعليا لم تنهي حتى يومنا هذا ، فلايزال تمركز القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية للابقاء على المنطقة الحيادية بين البلدين تطبيقا لما جاء في معاهدة الهدنة 1953 .

v         ثامنا : تقييم ادارة الأزمة :

الجانب الأمريكي و السوفيتي نجحا في أن يتجنبا المواجه المباشرة ، لكنهما لم ينجحا في تجنب التصعيد غير المرغوب فيه . ففي رأيي كان هنالك العديد من الاستراتيجيات التي أثبتت فشلها و لم تؤد الغرض منها ، الأولى : هي استراتيجية أتشوسون لرسم الحدود الحمراء ، فلقد أدت لنتائج عكسية تماما و أدخلت الولايات المتحدة في مشاكل كانت في غنى عنها ، فالاتحاد السوفيتي كان مترددا في مساعدة كوريا الشمالية و لولا هذا الخطاب لما تحرك ستالين و أعطى الموافقة لسونغ . كذلك أذكر بأن مقاطعة الاتحاد السوفيتي لمجلس الأمن كان أكبر خطأ ارتكبه في عملية ادراته للأزمة ، فلقد تخلى عن مخرج سهل و مضمون من أن يتم أي تدخل شرعي في كوريا ، و كان ذلك لصالح الولايات المتحدة ، ولكنها هي الأخرى ارتكبت خطأ جسيم في الاستخفاف بالتهديدات الصينية و تخطيها لخط 38 ، و حاولت أن تتدارك هذا الخطأ بإقالة ماك آرثر لكن بعد فوات الأوان ، فالحرب قد تغيرت و ميزان القوى تبدل ، ليصبح متساو و ذلك وضع الجهتين في مأزق . أما بالنسبة لإدارة آيزنهاور التي أنهت الصراع فعلا اعتقد بأنها كانت ادارة جريئة و ذكية في نفس الوقت ، فبغض النظر عن كون آيزنهاور جاد في استخدام القنبلة الذرية أم لا ، فهو استخدم التهديد بالسلاح النووي ليردع الصين ، و لقد اختار توقيتا مناسبا لكي يقوم بذلك ، فلقد بين آيزنهاور في تحليله للكيفة التي جرت فيها الأمور في الحرب الكورية بأن التهديد كان جزءا من السبب الذي جعل الصين تعود لطاولة المفوضات بالاضافة لموت ستالين [57]






Michael Brecher,Decisions in crisis : Israel,1967 and 1973 ,( Berkeley, los angeles , London: University of California Press, 1980) pp2 [1]
 Michael Brecher,Decisions in crisis : Israel,1967 and 1973 ,( Berkeley, los angeles , London: University of California Press, 1980) pp1 [2]
Smart C.F, studies on crisis management, (Toronto : Institute for Research on Public Policy ,1978) pp 41. [3]
 Richardson James, Crisis diplomacy: the great powers since the mid-nineteenth century,( Cambridge University Press, 1994) pp 10  [4]
   Brecher  Michael, A study of crisis , (University of Michigan Press, 1997) pp6 . [5]   http://books.google.co.uk/books?id=GjY7aV_6FPwC&pg=PA6&lpg=PA6&dq=an+intra+war+crisis+brecher&source=bl&ots=uYYn_9KPpR&sig=cIVuyJkck4WD2_pwlnRmGXIwZQ&hl=en&ei=GfAqSsmFForCM_qIzc4J&sa=X&oi=book_result&ct=result&resnum=1#PPA6,M1 .
http://www.cidcm.umd.edu/icb/data/ICB1-2009-final.pdf . ( Codebook for ICB1 - International CrisisBehavior Project : System-Level Dataset – January 2009) [6]

[7] بطرس بطرس غالي، "كوريا وهيئة الأمم المتحدة"، الجمعية المصرية للقانون الدولي، (القاهرة، 1951) ص 7
 [8] بطرس بطرس غالي، "كوريا وهيئة الأمم المتحدة"، الجمعية المصرية للقانون الدولي، (القاهرة، 1951) ص 7
http://en.wikipedia.org/wiki/Proxy_war[9]
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%B1%D8%A8_%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9[10]
 http://en.wikipedia.org/wiki/Greek_Civil_War[11]
 http://en.wikipedia.org/wiki/Berlin_Blockade[12]
  (سلاح نووي) http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D9%84%D8%A7%D8%AD_%D9%86%D9%88%D9%88%D9%8A#.D8.A7.D9.86.D8.AA.D8.B(4.D8.A7.D8.B1_.D8.A7.D9.84.D8.AA.D8.B3.D9.84.D8.AD_.D8.A7.D9.84.D9.86.D9.88.D9.88.D9.8A_.D9.81.D9.8A_.D8.A7.D9.84.D8.B9.D8.A7.D9.84.D9.85[13]  
 [14] بطرس بطرس غالي، "كوريا وهيئة الأمم المتحدة"، الجمعية المصرية للقانون الدولي، (القاهرة، 1951) ص 6
(حرب كورية)http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%B1%D8%A8_%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9 [15]
طرس بطرس غالي، "كوريا وهيئة الأمم المتحدة ص6 "، الجمعية المصرية للقانون الدولي، (القاهرة، 1951) ص 6 [16]

(حرب كورية)http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%B1%D8%A8_%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9[17]
 عباس رشدي العمارى ، إدارة الأزمات في عالم متغير ، ( القاهرة ، مركز الأهرام للترجمة و النشر ، 1993 ) ص 79 . [18]
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%B1%D8%A8_%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9[19] ( حرب كورية)
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%B1%D8%A8_%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9[20] (حرب كورية)
[21]  جارنم ديفد ، دراسات في النزاعات الدولية و إدارة الأزمات ، سلسلة محاضرات الإمارات 45 ( أبوظبي ، مركز الإمارات للدراسات و البحوث الاستراتيجية، 2001 ) ص10
)Korean War(http://en.wikipedia.org/wiki/Korean_War[22]

)
Douglas Mackiernan  ( http://en.wikipedia.org/wiki/Douglas_Mackiernan [23]
 Clayoton James , Refighting the last war : command and crisis in korea 1950-1953 , ( New York , the Free press, 1993) pp 11[24]
 Gary R. Hess,  Presidential decisions for war: Korea, Vietnam, and the Persian Gulf, (JHU Press, 2001 ) pp 9 [25]
 http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%B1%D8%A8_%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9[26]
 عباس رشدي العمارى ، إدارة الأزمات في عالم متغير ، ( القاهرة ، مركز الأهرام للترجمة و النشر ، 1993 ) ص81. [27]
 William stueck , Rethinking the Korean war : a new diplomatic and strategic history, ( new jersey , Princeton university press , 2002 ) pp 64 [28]
http://korea50.army.mil/cgi-bin/thisday.pl[29]
[30] بطرس بطرس غالي، "كوريا وهيئة الأمم المتحدة"، الجمعية المصرية للقانون الدولي، (القاهرة، 1951) ص 8
William stueck , Rethinking the Korean war : a new diplomatic and strategic history, ( new jersey , Princeton university press , 2002 ) pp 144-143 [31]
 Brecher  Michael, A study of crisis , (University of Michigan Press, 1997) pp  217 [32]
[33] جارنم ديفد ، دراسات في النزاعات الدولية و إدارة الأزمات ، سلسلة محاضرات الإمارات 45 ( أبوظبي ، مركز الإمارات للدراسات و البحوث الاستراتيجية ، 2001) ص12
 Alexander L.  George , Avoiding War: Problems of Crisis Management, ( Boulder ,Westview Press, 1991)  pp 382[34]
 )Resolution 83: Complaint of aggression upon the Republic of Korea (27 Jun)( http://daccess-ods.un.org/TMP/601040.8.html [35]
) Resolution 84: Complaint of aggression upon the Republic of Korea (7 Jul) (http://daccess-ods.un.org/TMP/4701398.html [36]
 Alexander L.  George , Avoiding War: Problems of Crisis Management, ( Boulder ,Westview Press, 1991)  pp 384 [37]
 http://daccess-ods.un.org/TMP/601040.8.html [38]
Alexander L.  George , Avoiding War: Problems of Crisis Management, ( Boulder ,Westview Press, 1991)  pp 389[39]
 William stueck , Rethinking the Korean war : a new diplomatic and strategic history, ( new jersey , Princeton university press , 2002 ) pp 89[40]
Alexander L.  George , Avoiding War: Problems of Crisis Management, ( Boulder ,Westview Press, 1991)  pp 387[41]
[42] بطرس بطرس غالي، "كوريا وهيئة الأمم المتحدة"، الجمعية المصرية للقانون الدولي، (القاهرة، 1951) ص 9
Alexander L.  George , Avoiding War: Problems of Crisis Management, ( Boulder ,Westview Press, 1991)  pp 381[44]
Paul M. Edwards, the Korean war ,( Greenwood Publishing Group , 2006) pp32 http://books.google.co.uk/books?id=xA34hGXAjlIC&printsec=frontcover&dq=The+Korean+War [45]
Korea Institute of Military History, Allan Reed Millett , The Korean War ,( U of Nebraska Press,2001) pp 54 http://books.google.co.uk/books?id=KtI5QwY01MwC&dq=The+Korean+War+By+Korea+Institute+of+Military+History,+Allan+Reed+Millett&printsec=frontcover&source=bl&ots=vKFVbV7JFr&sig=1iBlzWkhI822jR9alkWBjJCPAuE&hl=en&ei=aZwxSrvZFtWLtgeb3pClCQ&sa=X&oi=book_result&ct=result&resnum=1 [46]
جارنم ديفد ، دراسات في النزاعات الدولية و إدارة الأزمات ، سلسلة محاضرات الإمارات 45 ( أبوظبي ، مركز الإمارات للدراسات و البحوث الاستراتيجية، 2001 ) ص12 [47]
) Letter, Fyn Si [Stalin] to Kim IlSung (via Shtykov), 8 [7] October( 1950http://www.wilsoncenter.org/coldwdarfiles/files/Documents/7Oct1950.pdf pp 2 [48]
Korea Institute of Military History, Allan Reed Millett , The Korean War ,( U of Nebraska Press,2001) pp 57 http://books.google.co.uk/books?id=KtI5QwY01MwC&dq=The+Korean+War+By+Korea+Institute+of+Military+History,+Allan+Reed+Millett&printsec=frontcover&source=bl&ots=vKFVbV7JFr&sig=1iBlzWkhI822jR9alkWBjJCPAuE&hl=en&ei=aZwxSrvZFtWLtgeb3pClCQ&sa=X&oi=book_result&ct=result&resnum=1 [49]
 http://en.wikipedia.org/wiki/Sino-Soviet_Treaty_of_Friendship[50]

William stueck , Rethinking the Korean war : a new diplomatic and strategic history, ( new jersey , Princeton university press , 2002 ) pp 143[52]
Geoffrey Roberts,Stalin's wars: from World War to Cold War, 1939-1953,( Yale University Press, 2006) pp 366 http://books.google.co.uk/books?id=5GCFUqBRZ-QC&dq=stalin+death+how+did+it+effect+the+korean+war&source=gbs_navlinks_s[53]
Geoffrey Roberts,Stalin's wars: from World War to Cold War, 1939-1953,( Yale University Press, 2006) pp 370  http://books.google.co.uk/books?id=5GCFUqBRZ-QC&dq=stalin+death+how+did+it+effect+the+korean+war&source=gbs_navlinks_s[54]
Peter lowe , the orgins of the korean war ,(London , longman,1989) pp213 [55]
(the Korean war) http://en.wikipedia.org/wiki/Korean_War#Casualties [56]
 Paul M. Edwards, the Korean war ,( Greenwood Publishing Group , 2006) pp 77 http://books.google.co.uk/books?id=xA34hGXAjlIC&printsec=frontcover&dq=The+Korean+War [57]